آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 4:24 م

180 درجة

المهندس هلال حسن الوحيد *

عندي علاقةٌ حميمةٌ وقوية بشيئينِ في الحياة، منذ أمدٍ بعيد كانت السيارة وحدها ثم جاءَ الهاتف. أشياء أصبحت علاقتي بها أمتن وأقوى من علاقةِ الفصيل والناقة. متى ما اعتلَّ أيٌّ من الأشياء أبحث عن أسرع وسيلة أصلحه وتعود حياتي إلى طبيعتها. ثم السيارة والهاتف، للعلاقةِ بهما حظوةٌ كبيرة فلا يصلحهما إلا الخبير والذي يوفر أفضلَ خدمة ولا ضير إن دفعتُ لمن يعيد العلاقة قويةً ومتينةً ثمناً أكثر من غيره! أنا وزوجتي إن اختلفنا فلا داعي لإصلاح ما يعطبه الدهر مراراً، لما الإستثمار في العلاقة مع إنسان يمكن استبداله، لم يَعُدَّ الفلاسفة الحبَّ من جديد أحد المستحيلات!

علاقتي بأخي ليست آلة، سوف أصلحها يومَ العيد القادم إذا سنحت الفرصة، كانت قويةً عندما كنا صغيرين نلعب ونمرح لكن الشمسَ تبلي كلَّ جديد. ثم عمي لابدَّ أن أتعرف عليه من جديد، مرت مدةٌ طويلة تشابهت فيها الوجوهُ والهيئات. خالي، أنا أعرف أنه أخٌ لأمي التي تركتها في حفرةٍ أنا وكثيرٌ من الناس كانوا معي يومَ بكيت لفقدها. الحمد لله، أنا لا زلتُ للآن محتفظاً بصورة لها في حافظةِ الصور فلها ذكرياتٌ لا أنساها، وأذكرها كلَّ يوم جمعة! أبي كنتُ أعرفه أكثر في حياته عندما كان هو من يعتني بي صغيراً، يحملني ويعلمني ويربيني. الآن أثقلتني الدنيا بحملها، أنا صرتُ منشغلاً بدور والدي، أحملُ صغيري وأعلمه وأربيه. سوف أزورُ تربةَ والدي يوم العيدِ القادم فأفضل وأقيم الهدايا تلك التي نعطيها في العيد!

كان عدد عائلتنا قليلاً قبل عشرات السنين، الآن ازدادَ كثيراً. أعرف أن لأخوتي وأخواتي بنات وأبناء، أظن أنهم لو رأوني أنا وشخصاً غريباً واحداً ربما عرفوني، أما إذا كنت أنا وشخصين وعرفوني فأنا مثل الذي ينال الثريا. ليس من شكٍّ سوف أرى بعضهم وليس كلهم في مكانٍ ما وزمانٍ ما، حينها سوف أتذكر الزمانَ والمكان!

أعرف أن أحداً ما يسكن في جهاتٍ ثلاث من منزلي لأنني عندما أخرج صباحَ كلَّ يومٍ أرى آثارَ ساكنين من بقايا أكلٍ ومستهلكات. يوم كنا في الحي القديم كنت أعرف جيراني أكثر وألعب مع أولادهم. أنا وجيراني للآن لم نألف الحيَّ الجديد الذي انتقلنا إليه منذ أربعين سنة!

ألم انقطاع العلاقات لا يزول مع الوقت بل يكبر ومع أنه من الأفضل أن نسامح ونصفح ونصلح ماهو أغلى وأثمن من العلاقة مع الآلة إلا أننا نسير في مائة وثمانين درجة، مخالفين تماماً لعقولنا وقلوبنا، نمشي مبتعدين عن الهدفِ لا يوقظنا وينبهنا إلا آخر جرسٍ من أجراسِ الحياة!

مستشار أعلى هندسة بترول