آخر تحديث: 23 / 4 / 2024م - 12:09 م

الهفوات.. السخرية

محمد أحمد التاروتي *

فرق شاسع بين الهفوة غير المقصودة والنصيحة الهادفة للسخرية، فالاولى يمكن تجاوزها او عدم الالتفات لها، باعتبارها سلوكا غير مقصود، وصادرة بدون قصد في الغالب، مما يجعل عملية الصفح عنها اعتيادية وغير مستغربة على الاطلاق، فيما الثانية صادرة عن سبق إصرار وتقصد، بغرض وضع الطرف الاخر في خانة الاستهزاء والسخرية، مما يستدعي اتخاذ موقف صارم، وعدم التهاون مع هذه السلوكيات غير الأخلاقية، لاسيما وان النظرة الفوقية وأحيانا التعامل بخبث، يشكل احد العناصر الأساسية وراء انتهاج هذه السلوكيات غير الحسنة.

ابداء الرأي غير السديد والمستهجن، لا يقتصر على أصحاب التفكير السطحي، او الشخصيات الهامشية، فهناك اراء مستغربة للغاية تصدر من شخصيات ذات نفوذ اجتماعي، وأحيانا تمتلك رصيدا وافرا من العلم، مما يشكل علامة استفهام بخصوص صدورها من تلك الشخصيات الهامة، وبالتالي فان المبررات التي تسوقها تلك الشخصيات، بشأن ابداء تلك الآراء ليست مقنعة، او لا تجد قبولا لدى الكثير من الشرائح الاجتماعية، مما يضع تلك الآراء في خانة الاستهزاء، او التسقيط في الغالب.

مشكلة البعض يتصور قدرته على تمرير بعض الآراء بحكم النفوذ الاجتماعية، مما يجعلها تتخذ مواقف مسبقة، بغرض النظر عن القاعدة الاجتماعية، لاسيما وان الشرائح الاجتماعية تختلف باختلاف الثقافة، وكذلك نتيجة التطور في التفكير، وبالتالي فان الآراء يتم تمحيصها في الغالب، بشكل دقيق قبل اتخاذ الموقف تجاهها، الامر الذي يفسر حالة الاستهجان، وكذلك الرفض تجاه مثل هذه الآراء غير السديدة.

النوايا الحسنة للاراء غير ”الحكيمة“، ليست مطلوبة على الاطلاق، ”الثقة في كل احد نقصان في العقل“، وبالتالي فان المرء مطالب بوضع الجميع على مسافة واحدة، من اجل الابتعاد عن الجانب العاطفي وتحكيم العقل، بهدف التمييز بين النصيحة الصادقة، والأخرى المشبوهة، ”الحق لا يعرف بالرجال.. وإنما يعرف الرجال بالحق.. فاعرف الحق تعرف أهله“، بمعنى اخر، فان التسليم الكامل لبعض الشخصيات باعتبارها ذات حظوة، ليس مطلوبا على الاطلاق، ”المرء خصيم نفسه“، بحيث يتحمل مسؤولية قراراته في النهاية، فاذا كانت صائبة فالاثار الإيجابية سيحصد نتائجها، فيما سيتحمل تبعات النتائج السلبية.

التاريخ الطويل يشفع في حالة اتسم بالطريقة المستقيمة، فيما لا يكون داعما مع وجود تخبطات، او عثرات خلال المسيرة الحياتية، فالبعض يحاول تغطية الجانب السلبي عبر بعض الممارسات الخاصة، بيد ان تلك المحاولات سرعان ما تتكشف مع ظهور بعض الاعمال ذات المغزى المشبوه، وبالتالي فان المرء مطالب بتحريك الملفات السلبية والإيجابية، لاماطة اللثام عن الجانب الغامض، ومحاولة الوصول الى الحقائق المجردة، بعيدا عن مساحيق المكياج، التي تغطي بعض الوجوه على الدوام.

فيما يتعامل مع الهفوات بطريقة خاصة، من خلال وضعها الاطار المناسب لإزالة ”الشبهات“، او كشف الحقائق بطريقة مباشرة، ”العفو من شيم الكرام“، فهناك العديد من الطرق للتعاطي مع الاساءات غير المقصودة، مما يبقي حبال الود قائما بين الأطراف، لاسيما وان العملية لا تعدو كونها سقطة غير مقصودة، الامر الذي يستدعي التعاطي معها ضمن حدودها، وقطع الطريق امام تحميلها اكثر مما تحتمل.

التفريق بين الهفوة والسخرية عملية أساسية قبل اتخاذ الموقف، لاسيما وان كل موقف يحتاج على تعامل خاص، وبالتالي فان المرء مطالب بوضع الأمور في النصاب الصحيح، قبل الاقدام على الخطوات القادمة، خصوصا وان بعض الممارسات تسهم في توتير الأمور، بحيث تقود الى خصومة سواء كانت مؤقتة او دائمة، مما يعني رسم خط واضح في التعامل، مع ”السخرية“ و”الهفوة“ في مختلف الأوقات.

كاتب صحفي