آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 11:34 م

الكلمة.. التهريج

محمد أحمد التاروتي *

قديما قالوا ”اذا كان الكلام من فضة، فالسكوت من ذهب“، فالكثير من الكلام يفقد مصداقيته، بمجرد دخول في خانة التهريج، والخروج عن السياق العقلاني، مما يضع الحديث في خانة التساؤل، والمتكلم في موضع حرج والاستهجان للغاية، لاسيما وان التوازن في الحديث امر بالغ الأهمية، من اجل احداث الأثر المأمول، وكذلك القبول لدى المتلقى، وبالتالي فان الحديث الخيالي لا يجد أصداء إيجابية في الغالب، نظرا لتجنبه الكثير من الحقائق على الأرض.

التريث والتفكير قبل اطلاق الكلام، عملية أساسية في احداث الأثر الإيجابي، ”لسَانُ الْعَاقِلِ وَرَاءَ قَلْبِهِ، وَقَلْبُ الْأَحْمَقِ وَرَاءَ لِسَانِهِ“، فالمرء يمتلك القدرة على وضع الأمور في المكان الصحيح، مما يجنبه الكثير من الاحراجات، والمواقف غير المحبذة على الاطلاق، نظرا لوجود مصداقية وواقعية في الكثير من الكلام، وبالتالي فان السعي وراء اطلاق ”الفلاشات“ الإعلامية، لا تجر سوى الخيبة، والخسران في البيئة الاجتماعية، نظرا لوجود شريحة غير قادرة على تقبل الكلام الخيالي، او غير المتوازن.

التواري خلف الألقاب او التخفي وراء المواقع، ليست مدعاة لتجاهل القواعد الأساسية، في تحري الدقة في الحديث، فالصدق من ابرز أولويات الحديث، باعتباره مفتاح أساسي للدخول في العقول، لاسيما وان تزييف الحقائق لا يستمر طويلا، ”الصدق منجاة“ على الدوام، وبالتالي فان انتهاج سبيل التزييف يترك تداعيات سلبية، في الكثير من المواقع الحياتية، مما يستدعي التحرك وفق منهجية واقعية، بعيدا عن المسميات او الألقاب، التي لا تسمن ولا تغني من جوع، فالمرء بما يحمل من رصيد في الحياة العملية، وليس بما يحمله من مسميات، لا تجد لها مصداقا على الواقع أحيانا.

المرء يكشف عن شخصيته، بمجرد اطلاق بعض العبارات ”التهريجية“ او ”المبالغة“، مما يدفع لاتخاذ مواقف مختلفة، سواء سلبية او إيجابية، فاذا اتسمت الاحاديث بالصدق والواقعية، فانها ترفع من الرصيد في البيئة الاجتماعية، فيما سيفقد الكثير من النقاط بمجرد الانخراط، في طريق التزييف والكذب، ”تكلموا تعرفوا فان المرء مخبو تحت لسانه“ وبالتالي فان النجومية ليست مبررا لتمرير الكذب، او محاولة استخدام ”النجومية“ في خداع البيئة الاجتماعية، مما يفرض على انتهاج سياسة ثابته، تعتمد على المصداقية مبدأ ثابتا على الدوام.

اعتماد المبادئ الأخلاقية عنصرا أساسيا، في تجنب ”تزييف“ الحقائق، او محاولة المراوغة بطرق مختلفة، فالقيم الأخلاقية ترفض اتخاذ المنابر الإعلامية، وسيلة لاطلاق الشعارات غير الواقعية، خصوصا وان الكلمة مسؤولية كبرى، تفرض على حاملها توخي الدقة، في جميع الأوقات، وعدم الانجرار وراء المبررات غير الواقعية، سواء نتيجة الضغوط الخارجية، او الظروف الاجتماعية على اختلافها، وبالتالي فان المثل الأخلاقية بمثابة عنصرا رادعا، للانخراط في طريق ”الكذب“، نظرا لما يمثل هذا الطريق من اثار تدميرية على الجميع، حيث لا يقتصر الامر على مصداقية المتكلم، وانما يشمل كذلك الكثير من الشرائح الاجتماعية.

الخلط بين الكلام الصادق والدقيق، وبين التهريج، يمثل احد الامراض وراء استمرار البعض في عملية التزييف، فالتصفيق الذي يجده من لدن البعض يدفعه لمواصلة المشوار، بيد ان الأمور سرعان ما تنقلب رأسا على عقب، ”انقلب السحر على الساحر“، حيث يبدأ المتكلم تلمس النتائج على ارض الواقع، من خلال الابتعاد التدريجي، وعدم الاهتمام، مما يفقده الكثير من النقاط التي حصدها في الفترة الماضية، جراء الانخداع بالتصفيق الزائف، من لدن بعض أصحاب المصالح، او بعض الأشخاص غير القادرين، على التمييز بين الأمور النافعة، والأشياء الضارة.

كاتب صحفي