آخر تحديث: 24 / 4 / 2024م - 9:59 م

حليف القران الكريم

عبد الرزاق الكوي

تمر هذه الأيام ذكرى استشهاد ابو الحسين زيد ابن علي ابن الحسين بن علي ابن ابي طالب ، الشهيد الثائر، العالم الزكي، العابد التقي، الورع الزاهد، فصيح اللسان والبيان الفقيه الشامل، البطل الصنديد الكثير البكاء من خشية الله، لقب بأسطوانة المسجد لكثرة صلاته، ترى أسارير النور في وجهه بما تحلى به من صدق الإيمان وطاعة الرحمن، كان أبي الضيم، علم متدفق وورع موصوف وبسالة معلومة وشدة في اليأس تام الخلق طويل القامة جميل المنظر وسيم الوجه عريض الصدر، ناصر الدين، موصول بشرف نبوي ومجد علوي وسؤدد فاطمي وروح حسيني، اجتمعت له القلوب، وأحبته له الأفئدة وانقاد له الناس بما شاهدوه من ورع وتقى وتمسك بكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه واله، مناقبه أجل ان تحصى وفضله أكثر من يوصف، لم يكن أفضل منه مكانة الاًًّ الأئمة ، واحتل مكانة عظيمة عندهم.

قال الباقر : «لقد انجبت أم ولدتك يازيد اللهم أشدد أزري بزيد»

قال الامام الباقر لمن سأله عن زيد: «سألتني عن رجل ملئ إيماناً وعلما من أطراف شعره إلى قدميه، وهو سيد أهل بيته».

حزن الامام الصادق حزنا شديدا حين علم باستشهاده وقال: «إن عمي كان رجلا لدنيانا وآخرتنا مضى والله شهيدا كشهداء إستشهدوا مع رسول الله صلى الله عليه واله، وعلي والحسن والحسين مضى والله شهيدا».

قال الامام الرضا : «إن زيدا يتخطى يوم القيامة بأهل المحشر حتى يدخل الجنة».

اما بني اميه في الشام كانت تكتب الى واليهم في العراق، أن أمنع اهل الكوفة من حضور زيد بن علي فإن لسانه أقطع من ظبة السيف وأحد من شبا الآسنة وأبلغ من السحر والكهانة.

ادرك زيد الشهيد ثلاثة من الأئمة والده الإمام زين العابدين علي بن الحسين 38 - 94 هجري، وأخوه الباقر 57 - 114 هجري، وابن أخيه الامام الصادق 83 - 148 هجري.

خرج زيد من بيت النبوة وتربى في احضان الإمامة، كانوا القران الناطق في جميع تحركاتهم وسكناتهم، عرفوا بأنهم اهلًا لتبيان علوم القران الكريم وتفسيره.

إذا طلب الناس علم القران كانت قريش عليه عيالا

وأن فاه فيه ابن بنت النبي تلقت يداه فروعا طوالا

نجوم تهلل للمدلجين فتهدى بأنوائهن الرجالا

قال الامام السجاد : «لو مات من بين المشرق والمغرب لما استوحشت بعد أن يكون القران معي».

فمكانة زيد الشهيد رضوان الله عليه أخدها من هذا البيت الطاهر، تتلمذ على يد أبيه الامام زين العابدين خمسة عشر سنة، اغترف من منهل ابيه الزاخر بالتقوى والإخلاص والخشوع والعلم بالكتاب والشريعة، ومن بعده اكمل تربيته اخوه الامام الباقر تسعة عشر عام، ينهل من علومه ومعارفه حتى بلغ الغاية من العلم والمعرفة بشكل عام وعلوم القران بشكل خاص مثالا للكمال والأدب والسيرة الحسنة، سمي بحليف القران ولم يحظى احد بمثل هذا الشرف العظيم. كانت له خاصية ارتباطه واعتكافه.

قال الامام علي : «عليكم بكتاب الله فإنه الحبل المتين، والنور المبين، والشفاء النافع، والري النافع، والعصمة للمتمسك، والنجاة للمتعلق، لا يعوج فيقام، ولا يزيغ فيستعتب».

زيد الشهيد، كان يتمثل سلوكا وعملا باتباعه للقران الكريم، حيث يرى فيه العصمة من الضلال، وطريق النجاة وسبيل الفوز ومصدر الصلاح، عن ايمان ثابت وعلم رأسخ وتصديق ثابت.

فمن صفات المؤمن الحق التمسك بالقران الكريم، فقد تعلق الشهيد بالقران الكريم حيث اخد من ابيه وأخيه علما ومعرفة وتدبرا وتفسيرا، فبرز واختص بهذا الشرف العظيم ان يكون حليف القران الكريم. تمثل ذلك في قول الامام علي : «قد أمكن الكتاب «القران» من زمامه فهو قائده وإمامه، يحل حيث حل ثقله، وينزل حيث كان منزله».

ظهرت في فترة حياة الشهيد وقبلها التيارات المنحرفة والسلوك المخالف لقيم الاسلام، وتشويه للعقائد، ودخول كثير من العقائد والأفكار الدخيلة على المجتمع، وكثر التزييف والتملق وبيع الدمم. فقام الامام الحسين بنهضة المباركة في كربلاء وما فعلته بني امية بأهل البيت ، قامت من بعدها ثورات ضد الظلم والمناهضة لسياستهم مثل ثورة التوابين والمختار الثقفي وزيد بن علي ومن بعده ابنه يحي بن زيد وغيرها من التحركات المعارضة للتوجه في ذلك الوقت، فقد أعطت ثورة زيد منطلقا لمن جاء بعده من اجل مواصلة الدرب وحماية الدين وقيام المثل العليا والروح القرانية وإقامة العدل ونشر الحق بين الناس، منطلقا على خطى جده الامام الحسين القائل: «إنما خرجت لطلب الإصلاح في امة جدي، آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر».

خرج في الكوفة مجاهدا وأبلى بلاء حسن بصبر النبي وشجاعة علي وشموخ الحسين، قاتل قتال الأبطال كتب هو اصحابه صفحة من السمو والثبات، اصابه سهم غادر في جبهته الشريفة وصل الى الجمجمة، استشهد على اثرها، دفن سرا الا ان واشيا أوصل مكان دفنه لوالي الكوفة، فأخرج الجسد الشريف وقطع الرأس وأرسله للشام وصلب حسد زيد بن علي عاريا اربع سنوات.

بقى رضوان الله عليه مصلوبا حتى تولى الوليد بن يزيد بن عبد الملك الحكم فكتب الى واليه على الكوفة يوسف بن عمر بحرق الجسد ودق عظامه بالهواوين وذر رفاته في ماء الفرات.

ألا ياعين لا ترقي وجودي بدمعك ليس ذا حين الجمود

غداة ابن النبي أبو حسين صليب بالكناسة فوق عود

تعدى الكافر الجبار فيه فأخرجه من القبر اللحيد

فظلوا ينبشون أبا حسين خضيبا بينهم بدم جسيد

كانت لهذه القوة والثبات بيتا تخرج منه وقران كريم تمسك به اصبح حليفا له، مضى شهيدا في سبيل الله تعالى تاركا العبرة والدرس الأثر الطيب من صفاته ومأثره.