آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 3:27 م

‎الماضي.. الحاضر

محمد أحمد التاروتي *

التغني بالماضي سيفونية يتقنها البعض للهروب من الواقع، اذ يحاول هؤلاء استخدام الماضي، كوسيلة للتخلص الاستحقاقات المترتبة، على ”ضريبة“ الحاضر، فيما يحاول البعض الاخر استخدام الحاضر أداة لـ ”الكفر“ بالماضي، باعتباره صحفة غير مشرفة وتحمل في طياتها ”العار“، وبالتالي فان التطرف لا يجلب سوى الخيبة والخسران، وضياع البوصلة بشكل جزئي او نهائي.

الالتصاق بالماضي بكل تفاصيله ”المفرحة“ و”المحزنة“، جزء من تاريخ المجتمعات، وبالتالي فان محاولة التوغل في الاحداث السالفة، لا يمثل هروبا من الحاضر في جميع الحالات، خصوصا وان التاريخ يحمل في طياته الكثير من الدروس، والعديد من التجارب سواء الفاشلة او الناجحة، مما يفتح الطريق واسعا للاستفادة من الاحداث التاريخية، لبناء الخطوات القادمة، مما يعني ان التاريخ يعطي المجتمعات قدرة على استخلاص الدروس بشكل إيجابي، ”لا يلدغ المؤمن من حجر مرتين“، وبالتالي فان محاولة تسفيه الأطراف الساعية لدراسة التاريخ، بشكل واعي ليس مبررا على الاطلاق، باعتباره ”تجني“ ومحاولة سلخ المجتمع من التاريخ، بشكل غير منطقي على الاطلاق.

عملية الهروب للماضي غير محمودة، بمجرد تحولها الى ”هوس“ و”جنون“ مرضي، اذ يحاول البعض التعبير عن العجز بالتحرك باتجاه ”الصفحات الصفراء“، والبحث في البطولات ببطون الكتب، بهدف احداث حالة من ”الانتعاش“ الكاذب، وغير الواقعي، فالتاريخ جزء من المجتمعات البشرية، ولكنه ليس قادرا على تحريكها بالاتجاه الصائب، بدون الاستعانة بعوامل العصر الراهن، ومحاولة الاستفادة من الأسلحة المتاحة، بغرض تغيير الواقع الحاضر عبر استخدام أدوات المعاصرة، وتجاوز الاحباطات المعاشة، خصوصا وان البعض يفتقد للقدرة على احداث تغييرات جوهرية، في محيطه الخاص او المحيط القريب، مما يدفعه لمحاولة الهروب من الفشل عبر الالتصاق الكامل بالماضي، من خلال رسم صورة خيالية للماضي، والعمل على استدعاء تلك الصورة، بطرق ليست واقعية على الاطلاق.

التعامل مع الحاضر مرتبط بطريقة التفكير وأسلوب العمل، فالحاضر عنصر أساسي لرؤية الواقع بشكل واضح، مما يستدعي التحرك وفق المعطيات والمؤشرات المتاحة، وبالتالي فان التغول بشكل ممجوج ودون ضوابط، يترك اثارا ليست محمودة في الغالب، خصوصا وان رفض الماضي ليس حلا للتغلب على بعض المصاعب، فهناك أزمات تتطلب العودة للتاريخ لمعالجتها بطريقة مثالية، نظرا لوجود عناصر مشتركة في الكثير من القضايا، مما يفرض الاستعانة بالتجارب التاريخية للوقوف على الأسباب، والطرق المناسبة للمعالجة، بمعنى اخر، فان التوازن في المعالجات في القضايا المعاصرة، مرهونة بالمنهجية السائدة لدى أصحاب القرار، فاذا كانت عقلانية فانها تجد طريقها للحل، دون وجود تعقيدات او إشكالات.

وجود عناصر قادرة على القراءة الدقيقة للاحداث التاريخية، والتعامل بطريقة ذكية مع الماضي، احد الأسباب وراء الخروج بنتائج إيجابية، فالتطرف مرفوض بشكل قاطع، ”خير الأمور اوسطها“، فالكثير من الاحداث المعاصرة تشكل انعكاسا بطريقة، او باخرى للماضي، مما يفرض الرجوع للتاريخ قبل اتخاذ القرارات المناسبة، فالرفض الكامل يكشف عن قصور في طريقة التفكير العقلاني، اذ لا يمكن إدارة الظهر بشكل كلي عن التاريخ، باعتباره منجما حافلا بالدروس، للجهات الراغبة في الاستفادة من التجارب، خصوصا وان النظرة المعاصرة لا تتنافى مع مبدأ التعاطي بإيجابية مع الماضي، فكل ”حقبة“ تحفل بوجود رجال يصنعون الفرق، مما يفرض الاستفادة من تلك الشخصيات، التي تركت بصمات واضحة، على صفحات التاريخ البشري.

كاتب صحفي