آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

ساعة هدوء وساعات جشع

ليالي الفرج * صحيفة الرأي السعودي

كشفت مبادرة إحدى شركات التسوق الكبرى في نيوزلندا، عن تخصيصها ساعة زمنية كل يوم أربعاء، تبدأ في الثانية والنصف بعد الظهر إلى الثالثة والنصف، وأطلقت عليها اسم «ساعة هدوء».

خصصت الشركة هذه الساعة الزمنية في ترجمة تفاعلها الإيجابي مع الأشخاص الذين يعانون من اضطراب التوحّد «Autism»، وكذلك تسهيلًا على المسنّين الذين يرتادون المائة والثمانين فرعًا للشركة هناك.

«ساعة هدوء» هي محاولة لتوفير بيئة تسوق تناسب أشخاص التوحّد، الذين يحتاجون مكانًا تُخّفّف فيه الإضاءة العالية، وتقفل أجهزة العرض المرئي والصوتيات العالية.

فكرة ساعة هدوء قدمها موظف أحد فروع الشركة النيوزلندية، الذي يعاني ابنه من التوحّد، فحظيت الفكرة بالقبول، على أن تختبر عمليًا بتطبيقها في الفرع نفسه.

بعد عام، لوحظ نجاح الفكرة، من خلال مؤشرات التغذية الراجعة، عبر الأشخاص المستفيدين من فكرة ساعة هدوء، ومن الجمعيات والمؤسسات التي تعنى بالتوحّد، وتمّ تطبيقها في جميع فروع الشركة، هذه المبادرة جرت قبل أسابيع، لتمثّل قيمة معنوية مؤثرة، مهما كانت تفاصيلها بسيطة، وتستحق الشكر والتشجيع.

أما إذا استعدنا بعض محطّات الجشع المستمر الذي يستمرئه كثير من التجّار، فإن في قصة شركة التبغ الأمريكية في محاولتها لاستمالة النساء نحو التدخين في عشرينيات القرن الماضي، إذ كان ثمة نفور مغروس في ثقافة الأمريكيين بعدم لياقة التدخين للمرأة.

ولكن أنّى لطبيعة الجشع الملازمة للرأسمال هناك أن تخسر المواجهة، فراحت بعد محاولات فشل متكرر لتغيير موقف الثقافة الشعبية نحو كسر عادة عدم تدخين المرأة، كعادة متجذّرة وعميقة، إلى تغيير أدوات المواجهة مع تأكيد ضرورة إدخال المرأة إلى المدخنين كهدف للشركة.

في 1928، قررت شركة التبغ الأمريكية أن تستعين بخبير تسويق لامع، هو «إدوارد براينز»، صاحب أفكار جامحة، ومنفذ حملات تسويقية أكثر جموحًا.

بدأ «براينز» في معاكسة تيار ثقافة التسويق القائمة على الإقناع عبر الحقائق والمعلومات العقلانية، وراح ينفذ ما يعتقده بأن الناس انفعاليون وعاطفيون في أغلب اختياراتهم التسويقية، وبالفعل نجحت حملاته التسويقية الواسعة، وصارت المرأة مدخّنة، فزادت مبيعات الشركة 100 في المائة، لدخول نصف الشعب الأمريكي الذي كان خارج حسابات أرباح الشركة، وتقاسم الرجل والمرأة فرص الإصابة بالأمراض العضال نتيجة التدخين، فيما احتفلت «الشركة» بالإنجاز على حساب المستهلكين الضحايا.

وقبل نحو أسبوع، نشرت بعض صحفنا المحلية قرار هيئة المنافسة السعودية التي أوقعت الغرامة على أربع شركات من أكبر مستوردي ومسوّقي الأرز بالسعودية، منها ثلاث شركات تغرم للمرة الثانية.

وكان الدور الكبير المبذول من هيئة المنافسة السعودية محلّ إشادة كبيرة من الجميع، نحو ما وُصِف بأنه كبح جماح الأطماع في تلك الشركات، المبني على استغلال المستهلك، ومحاولة اقتناص فرص الجشع وحيل التسويق، للعبث بالاقتصاد الوطني والأمن الغذائي عبر سلعة غذائية رئيسة.

بينما يبقى دور المواطن ضروريًا في التصدي لكل معاملة تجارية مخالفة عبر القنوات الرسمية، فإنّ ساعة هدوء الوطن وراحة المواطن تبدأ بالقضاء على هذه المظاهر ونحوها.

كاتبة رأي في صحيفة الشرق السعودية
شاعرة ومهتمة بترجمة بعض النصوص الأدبية العالمية إلى العربية ، ولها عدَّة بحوث في المجال التربوي.