آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

العشق.. التضحية

محمد أحمد التاروتي *

العشق بما يحمل من معاني يحدث اثرا كبيرا لدى العشاق، فهو يحدث انقلابا جوهريا في التركيبة الفكرية، ”الناس فيما يعشقون مذاهب“، لاسيما وان بعض الممارسات يصعب تفسيرها من الناحية العقلية، باعتبارها اعمالا خارجة عن السياق المتعارف او المألوف، فالعاشق يقدم على اعمال خارقة لا تنسجم مع التفكير العقلي المتوازن، بحيث تدخل ضمن الاعمال ”الجنونية“،

أَمُرُّ عَلى الدِيارِ دِيارِ لَيلى.. أُقَبِّلَ ذا الجِدارَ وَذا الجِدارا

وَما حُبُّ الدِيارِ شَغَفنَ قَلبي.. وَلَكِن حُبُّ مَن سَكَنَ الدِيارا.

يولد العشق إحساسا إيجابيا وأحيانا سلبيا، فهو غير مفهوم لدى بعض الأطراف، لاسيما وان العاشق يتحرك باتجاه تقديم الغالي والنفيس، في سبيل اسعاد الطرف الاخر، او العمل حماية المعشوق من الاخطار المعنوية والمادية، لاسيما وان العشق لا يتعلق بالجانب العاطفي فقط، فهناك الكثير من الجوانب التي تولد هياما وحبا كبيرا، بحيث ينعكس على صورة تضحيات جسام، وكذلك عدم الاهتمام التداعيات المترتبة على حماية المعشوق، وبالتالي فان العشق يحدث اثر نفسيا عميقا، يتجلى في صور شتى بعضها ملموس، والبعض الاخر غير ملموس على الاطار الخارجي، نظرا لكونها علاقة غير محسوسة، وتبقى ضمن الروابط الداخلية والنفسية، بالدرجة الأولى.

مبدأ الخسارة والربح، لا يحكم علاقة العشق، حيث تختفي الأرقام المادية بشكل كامل، لتحل مكانها الحسابات ”المعنوية“، باعتبارها المحرك الأساس وراء الاقدام على التضحية في جميع الأوقات، وبالتالي فان محاولة فهم التضحيات الكبيرة ليست متاحة، لاصحاب ”مبدأ“ المصالح والشريحة التي تتعاطى بميزان الاخذ والعطاء، حيث يتحرك العشاق باتجاه يصعب تفسيره، لدى العديد من أصحاب النظرة السطحية، او أصحاب القلوب الميتة، فالعشق يصدر اشعاعات قادرة على تحريك القلوب، بعيدا عن منطق العقل في بعض الأحيان، الامر الذي يفسر حالة الاستغراب لدى الكثير من الشرائح الاجتماعية، تجاه بعض الاعمال غير المألوفة.

التضحية لا تقتصر على الجوانب المالية، وانما تشمل الجوانب المعنوية، من خلال تحمل تبعات الاستمرار والتمسك بعلاقة العشق، خصوصا وان هذه العلاقة غير المستساغة تشعل حروبا نفسية على اكثر من صعيد، من خلال توجيه الاتهامات واثارة بعض الشرائح الاجتماعية، سواء عن طريق التشكيك في القوى العقلية، او محاولة الاسقاط، بهدف احداث شرخ في علاقة العشق القائمة على المرتكزات، والثوابت العقلانية، لاسيما وان الاستمرار في توطيد تلك العلاقة لا يخدم الأهداف المرسومة، لدى أصحاب المصالح ومراكز القوى في المجتمع.

العطاء المادي احد ملامح العشق، فهناك محطات مفصلية تتطلب التضحية، وعدم الالتفات لحجم تلك التضحيات، كونها انعكاسا لمستوى العلاقة القائمة بين الطرفين، فالبخل يكشف زيف العشق القائم، ويسهم في القضاء على تلك العلاقة، فيما التضحية المالية تدلل على صدق علاقة العشق، وتعزز مسيرة العشق على الدوام، وبالتالي فان التضحية احدى مصاديق العشق الحقيقي.

تحمل حملات التشوية المتعمدة التي تقودها بعض الفئات الاجتماعية تجاه ”العشاق“، تمثل السلاح الأكثر فاعلية في تفويت الفرصة على هذه الشرائح، في اقصاء الأطراف غير السائرة على نهجها، فالعشق لا يدخل في باب ”المحرمات“ دائما، نظرا لوجود عشق مرتبط بالمنظومة العقدية، والمستند على القواعد الدينية، وبالتالي فان العشق ليس مدعاة لاشعال الحروب الداخلية، نظرا لوجود تباين كبير في النظرة تجاه ”المعشوق“، فهناك علاقة قائمة على ثوابت عقلية مقبولة، وليست مرفوضة لدى العقلاء، بمعنى اخر، فان عدم الالتفات لحملات التشويه يعطي زخما كبيرا، لمواصلة مرحلة العطاء والتضحية، الامر الذي يصب في مصلحة توطيد العلاقة، مع المعشوق بالاتجاه الصحيح.

يبقى العشق احد المحركات الأساسية للتضحية على الدوام، لاسيما وان هذه العلاقة ليست مرهونة بمقاييس الاخذ والعطاء، بقدر ما تحركها حالة الهيام المغروسة في القلوب، مما ينعكس على صورة الاستعداد النفسي لخوض غمار الصعاب، وعدم الالتفات للاخطار على اختلافها.

كاتب صحفي