آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 2:34 ص

رأس البغدادي

محمد أحمد التاروتي *

شكل اغتيال ابو بكر البغدادي خليفة داعش حدثا كبيرا، نظرا لما تمثله شخصية الرجل من اهمية كبرى على الصعيد العالمي، فالرجل استطاع منذ 2014 بسط نفوذه على مساحة جغرافية واسعة في سوريا والعراق، فضلا عن الرعب الذي شكله جراء الممارسات الوحشية، التي ارتكبها التنظيم طيلة سنوات سيطرته، على المناطق في سوريا والعراق.

الجهود الكبيرة التي بذلت من قبل اجهزة الاستخبارات العالمية، طيلة السنوات الماضية، فشلت في اكتشاف مكانه، او الوصول اليه، نظرا للاحتياطات الامنية التي يتخذها في التخفي عن الاجهزة الامنية العالمية، فالاعتقالات الواسعة التي طالت عناصر التنظيم، سواء في العراق او سوريا، لم تساعد في عملية اعتقاله، او تصفيته جسديا، نتيجة الأسلوب المعتمد في التنظيم بالتعامل مع عناصره، وكذلك الطريقة المتبعة في العلاقة التنظيمية للعناصر، بحيث تبقى تحركات رأس الهرم ضمن دائرة ضيقة للغاية.

المستفيدون من تصفية خليفة داعش كثر على الصعيد العالمي، الامر الذي يفسر مسارعة العديد الاستخباراتية، على الاستفادة من العملية النوعية، سواء بالنسبة لاجهزة الاستخبارات العراقية، او التركية او السورية او الكردية، من اجل قطف ثمار الإنجاز الامني الكبير، الذي اشتركت فيه عدد من الدول لتسجيلها اسمها، في تصفية اخطر رجل الموجود على قائمة المطلوبين عالميا، لاسيما وان تنظيم داعش عاث في الارض فسادا، وارتكب الكثير من المجازر في الدول العالمية، فضلا ممارسة الارهاب في المناطق، التي وقعت تحت سيطرته منذ عام 2014 في سوريا والعراق.

تحاول الحكومات التي ساهمت في تقديم معلومات للولايات المتحدة، حصد المكاسب السياسية، الامر الذي يفسر الشكر الذي قدمه ترامب، في خطابه المتضمن الاعلان عن مقتل ابو بكر البغدادي، على يد وحدة خاصة أمريكية، فالعملية المعقدة التي نفذت بواسطة معلومات دقيقة قدمتها، عدة دول لتسجيل اسمها اصطياد اكبر رأس يحتل القوائم الإرهابية عالميا، وبالتالي فان الإنجاز الأمني الكبير لا يسجل لواشنطن وحدها، مما يفرض اقتسام الغنائم المترتبة على التخلص من خليفة داعش، على الصعيد السياسي في المرحلة القادمة.

إدارة ترامب تحاول تجيير تصفية أبو بكر البغدادي لصالحها، خصوصا وان الإدارة السابقة بقيادة أوباما فشلت في تحقيق الإنجاز الكبير، الامر الذي يدفع لمحاولة استخدام قتل ”البغدادي“ كورقة سياسية على الصعيد الداخلي، بهدف رفع نسبة التأييد لدى الناخب الأمريكي، لاسيما وان الولايات المتحدة مقبلة على انتخابات رئاسية، وبالتالي فان البيت الأبيض يتحرك حاليا للاستفادة من الاجهاز خليفة داعش، لتسجيل نقاط على حساب مرشح الحزب الديمقراطي.

الرئيس التركي اوردغان يحاول الاستفادة من تصفية أبو بكر البغدادي، للحصول على تنازلات من الإدارة الامريكية، نظرا لدورها في تقديم معلومات استخباراتية ساهمت في تحديد مخبأة اخطر شخصية إرهابية، لاسيما في ظل التباين الحالي مع إدارة ترامب بعد اطلاق عملية ”نبع السلام“ ضد ”قسد“ الكردية، بهدف إقامة منطقة امنة على الحدود مع سوريا، وبالتالي فان انقرة تتحرك لقبض ثمن ”رأس البغدادي“، من خلال تغاضي الولايات المتحدة عن الإجراءات العسكرية الجارية على الساحة السورية، مما يسرع عملية فرض الواقع على الأرض، وإقامة المنطقة الامنة، على مساحة واسعة من الجغرافيا السورية.

العراق بدوره يتحرك للاستفادة من قطع رأس أبو بكر البغدادي، لتحقيق الانتصار السياسي على الصعيد الداخلي، خصوصا وان التنظيم ارتكب الكثير من الجرائم على مدى السنوات الماضية، منها التفجيرات المتعددة في المدن، وكان اخرها اقتطاع مساحة كبيرة من العراق، لاسيما بعد سقوط الموصل في عام 2014، وبالتالي فان حكومة عادل عبد المهدي التي تواجه ضغوطا كبيرة داخليا، جراء المظاهرات العارمة التي تعم العديد من المدن، تحاول الاستفادة من الحدث لامتصاص جزء من الغضب الشعبي، المترتب على تدني الخدمات واتساع دائرة الفساد، في الدوائر الحكومية.

يبقى رأس أبو بكر البغدادي كنز ثمين، تحاول كثير من الدول لقبض ثمنه، بما يعود عليها بالمكاسب السياسية داخليا وخارجيا.

كاتب صحفي