آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 10:36 م

مدارات الفلونزا

أثير السادة *

كمن يخرج من نصوص الموت أعود للكتابة إليك بعد أسبوع من الوقوف على مدارات التعب، أخبار الموتى في نشرات الأخبار كانت بعيدة عني طيلة أسبوع، وضجيج المظاهرات التي تزخرف الخريطة العربية لم يطرب مسمعي كما العادة.. جسدي الذي وهن كثيرا كان يترنح كورق الشجر في ليلة عاصفة.. تأخذني الظنون إلى باب العابرين إلى الآخرة، كأنه أسري بجسدي إلى هناك، أسمع أصواتهم، وأفهم لغة الأمراض التي تشاطرنا أسماءنا ورسومنا.. وحده نص التعب يأتي نشيدا مختلطا بهذه المسافة بين الحضور والغياب.

قلت لك بأني في مدارات الفلونزا أمضي ساعات يومي، أسلك طريق النوم مبكرا في كل ليلة، أصعد بجسدي إلى منصة الهذيانات التي تتداخل مع الأحلام في كل مساء.. أوصي جسدي بأن لا يذهب بعيدا في استسلامه لهذا النشيد الرتيب.. أدس له بعض الحبوب المسكنة وأتفقد رأسي الذي يلف بي بين الجدران قبل أن أغمض عيني كي لا أصاب بالدوار.

ظننت بأن رحلتي الطويلة في ساحات النوم ستعيد لي نشاطي في الصباح، أغادر السرير بعد 9 ساعات من التمدد على مجازات المرض، فأجد بأني كمن عاد من سفر بلا ارتواء، مازال في كأس التعب الكثير من الظمأ، لا تكاد تفهم لماذا يثقل فيك كل شيء، أنفك، ورأسك، وجوفك، تغفر لمعدتك شهيتها المفقودة وأنت عبثا تحاول أن تبتلع ما يصقل العافية في جسدك.. ساعات وأيام وأنت كمن يقاتل جيشا من التعب الذي لا يتناقص ولا يتراجع، تقاوم بنومك تارة، وبالحبوب التي تهبك المزيد من الشجاعة!.

قميصي الذي غدا سحابة ماطرة في الليل استحال الدليل الوحيد على تهاوي حصون المرض، استيقظ على برودته وأنا أتحصن بدفء البطانية، فأغمر روحي ببعض الطمأنينة.. غدا أخرج من مدارات الفلونزا، غدا أحتسي الشاي مجددا في الصباح الباكر، وأصافح الساحل من نافذة السيارة، وأجمع أنفاسي عند الشاطيء كعادتي الصباحية.. غدا أجمع الأصدقاء في متكئ الأحاديث الساخرة.. وحده المرض يخلع عنا كل طقوسنا اليومية، ويهبنا سكينة الأموات!.

أنا الآن بعيد عن مداراته، خرجت من سراب القلق الذي تضخم في يومياته، أشتهي الكثير من الأماكن التي اعتدها، كما اشتهي سؤالك الذي تقمص دور الدواء في كل صباح.. كلما طرق المرض بابنا، كنت لنا حرزا وتعويذة في وحشة التعب.