آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 12:26 م

دع العمل وابدأ الحياة

رائدة السبع * صحيفة الرأي السعودي

أكثر ما يقلق عائلتي الصغيرة ويصيبهم بالضجر أن أعلن عن مهمة يتم إنجازها خلال عطلة الأسبوع والتي تحتاج إلى تمديد، لأن يومين لا تكفي الحاجة، وكما يقول أحد الزملاء إننا بحاجة لـ «ويكند بعد الويكند».

إذا تأملنا في ساعات العمل الطويلة المجهدة والتي تستمر حتى غياب الشمس، وأنا هنا لا أحسد زميلاتي وزملائي المعلمين والمعلمات، لأن وظيفتهم وإن قصرت ساعاتها إلا أنهم يبذلون جهدًا يشكرون عليه.

الاقتصادي ماينارد كينز تنبأ عام 1930 بأن مسار الحضارة سوف يخفض ساعات العمل في المستقبل لمعدل خمس عشرة ساعة في الأسبوع، لكن الواقع يقول إن ساعات العمل تتجاوز أربعين ساعة أسبوعيًا.

الأنثروبولوجي ديفيد غريبر يري في كتابه «bullshit jobs» أن السبب هو تكاثر الأعمال التافهة وأن العديد من الوظائف الإدارية والتسويقية والخدمية ليست ذات منفعة حقيقية، والغرض منها غير واضح لدى الجميع بمن فيهم أولئك الذين يؤدونها، غالبية الناس لا يبحثون عن معنى مفترض لحياتهم عن طريق وظائفهم بقدر ما يهمهم مستوى الدخل والقبول الاجتماعي، وفي استطلاع أجراه مركز «yougov» في بريطانيا يشير إلى أن 37 في المائة من البريطانيين يعتقدون أن وظائفهم لا تضيف شيئًا مجديًا للعالم، تحول المجتمع الحديث إلى غاية بحد ذاته بغض النظر عن إنتاجيته أو مساهمته في خلق عالم أفضل.

ويقسم «غريبر» الوظائف التافهة وأصحابها إلى خمسة أقسام: «الخدم، المغفلون، خوابير أنبوب، صندوق مؤشرات، مراقبو مشروعات» هؤلاء الموظفون مشغولون بما لا طائل منه، وهم يشعرون في قرارة أنفسهم أنهم لو رحلوا عن هذه الدنيا فجأة، لن يفتقدهم أحد مقارنة بما يمكن أن يحدث لو رحل العالم، أو أحد رواد الأعمال الكبار.

يحاول «غربير» أن يخبرنا أن استعباد البشر مازال موجودًا وإن اختلف شكله المعاصر، ومع التطلعات التي تحملها الأتمتة والذكاء الاصطناعي، إلا أنه لا أحد يعرف مصير ملايين الموظفين الذين تورطوا في هذه الوظائف وغيرها.

«غريبر» يفترض أن يتم اعتماد دخل عالمي أساسي يضمن لكل إنسان الحد الأدنى من الحياة الكريمة لكنه يستبعد جدواه أيضًا، لأنه لا معنى لشيء لا يشعر الإنسان إزاءه بالاستحقاق والجدارة الشخصية التي تمنحه الامتلاء الوجودي اللازم لاحتمال شقاء هذه الحياة.

إن خلق وظائف وهمية يؤدي إلى البطالة المقنعة وهي أكثر ضررًا على الاقتصاد من البطالة الحقيقية.

أقترح بأن يتم تخفيض أيام وساعات العمل تدريجيًا للإنسان بعد سن الأربعين وحتى بلوغه سن التقاعد المتعارف عليه، على ألا يفقد نفس المزايا المالية التي تقدم له، وهذا ما سيوفر فرص عمل للخريجين الجدد مع وجود الخبرة، وهكذا يتم تهيئة الموظف للتقاعد، والاستفادة من خبرته دون المساس باستحقاقاته المالية.

إضاءة: كن قريبًا من صخب عائلتك الجميلة وسلامها، بعيدًا عن ضغوط العمل، لأن في النهاية كل ما نملكه هو العائلة.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
حسن عيد السيهاتي
[ سيهات ]: 31 / 10 / 2019م - 8:28 ص
كلام جميل ... بارك الله في فكرك