آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:12 م

فتى الادغال وابن يقظان

المهندس هلال حسن الوحيد *

في التسعيناتِ من القرن الماضي كنا نستيقظ على صوتٍ في التلفاز يحكي قصةَ فتاً تاهَ في الأدغالِ والغابات. استمتع الكبارُ والصغار بما يحصل لذلك الفتى من أحداثٍ في مغامراته.   قصة ”ماوكلي“ هي ذاتها تقريباً قصة حي بن يقظان التي ابتدعها الفيلسوف المسلم ابن سينا قبلَ عدة قرون وكتبها الكاتبُ البريطاني ”روديارد كيبلينغ“ بعنوان ”كتاب الأدغال“، وخرجت من التلفازِ الياباني عام 1989م. قصةٌ تحكي سلوك البشر وطبيعة البحثِ العقلي والنفسي عندما يعيشون بعيداً عن صنفهم من البشر. فيما بين القصتين شبهٌ كبيرٌ في الأحداثِ مع اختلافٍ كبير في العمقِ النتائج.

تبدأ مغامراتُ الصبي ”ماوكلي“، كما ابن يقظان، بموتِ والديهِ في رحلةٍ استكشافية في أدغالِ الهند. وبعد موتهما بدأ النمرُ الأسود وصديقه الدب بإطعامِ ماوكلي وتربيته وأخذت عائلةٌ من الذئابِ ماوكلي للعيشِ بين إخوتهِ الذئاب الصغار. يكبر الفتى ماوكلي ويصبح غلاماً واعياً لما حوله ولكثرةِ ارتباطهِ بالذئاب والمدة الطويلة التي عاشها بينهم تعلمَ لغتهم ولغةَ الحيواناتِ الأخرى.

احترقت الغابةُ التي يعيش فيها الذئاب وماوكلي بعدما كبر، وهرب الجميعُ إلى ناحيةِ النهر فاعترضهم النمر شريخان الذي يكره البشر، لأنهم فقأوا إحدى عينيه، ويخرق قوانينَ الغابة. أراد شريخان أخذَ ماوكلي فجاء الذئب ”والد ماوكلي“ ووقف أمامَ شريخان يريد محاربته، لكن شريخان هزمَ الأبَ الذئب وقتله ولم يستطع ماوكلي فعلَ أي شيءٍ هو وإخوته الذئاب. بدأت كراهيةُ ماوكلي لشيريخان والتفكير بالإنتقامِ منه وخاضَ معه قتالاً ليقضي عليه ويثأر لموتِ أبيه أليكساندر. وفي نهاية المغامرة عادَ ماوكلي إلى القريةِ للعيشِ مع بني جنسه من البشر.

كان حي بن يقظان روحياً عميقاً حين بحثَ عن حقائقِ الكون وحب خالقه ”واجب الوجود“. أما فتى أدغال الكاتب البريطاني روديارد كيبلينج، الذي حاز على جائزةِ ”نوبل“ في الأدب عام 1907م فقد جاءَ جسدياً يهيم في الهيمنةِ والبطش والحبِّ البشري مع جمالِ السرد. رحلةٌ بدأها حي بن يقظان من رحمِ الشرقِ روحاً وجسداً، وعاد فيها ماوكلي وطرزان من الغربِ جسداً دونَ روح…

في المرةِ القادمة حين يرى أطفالكم طرزان وماوكلي فهما ليس إلا شخصيةٌ ولدت من فلسفةِ وأدبِ الشرقِ بأسماءٍ شرقية وانتهت في أدبِ وفنون الغرب بأسماءٍ غربية!

مستشار أعلى هندسة بترول