آخر تحديث: 18 / 4 / 2024م - 11:13 ص

سيَّان عندي حُلوه ومرُّه!

يقر كل مسلمٍ أن اللهَ وحده هو من يضع قوانينَ الكون ومن له وحده التصرف فيها بحكمته دونَ أن يستطيعَ أحدٌ من مخلوقاته منع تلك الإرادة من التحقق، وليس أدل على تفرد الله بالكونِ من تفردهِ بالحياةِ والموت.

لكن هذا التفرد لا يمنعنا من محاولةِ معرفة كيف تسير تلك الإرادة والقدرة، بالطبع ليس لتغييرها، بل لفهمها في جلبِ ما ينفعنا وإبعاد ما يضرنا. إذاً، ماذا لو سألنا: كيف يتحقق الموت؟ هل هي الروح التي تهرب من الجسد وحينها يفقد الجسدُ كل صلاحياتِ الإحساس والحياة التي كان يتمتع بها عندما كانت فيه الروح؟ أم أن الجسد ذاته يفسد ويفقد صلاحيته للحياةِ ومن ثم تغادره الروح فهو لم يعد بيئةً صالحةً لتبقى فيه وتقترنَ به بعد فساده؟

كلا الفرضيتين توصلنا إلى نفسِ النهاية المحتومة لكن الأولى لا تعطينا كثيراً من المساحةِ في التدخل في أكبر حدثٍ يطرأ علينا ويشعل هاجس الخوف عند الإنسان منذ بدء ظهوره، بما يعني سيَّان حُلوهُ ومُرُّه. أما الثانية والتي تخلص إلى أنه ومع أن الروح هي التي تغادر الجسدَ لكنها لا تغادرهُ طواعيةً بإرادتها بل تغادره حين يصبح الجسد ذاته بيئةً طاردةً للحياةِ التي تتمثل في الروح. وهذا يفسر كيف عرف الإنسانُ أنَّ هذا هو ما يحصل له فسعى إلى المحافظةِ على جسده والاعتناء به ليبقى قادراً على الحياةِ ما أمكن. هذه الفرضية ربما تفسر لنا أيضاً كيف تكون أعمار بعض المجتمعات أطول من المجتمعات الأخرى عندما تحصل على الرعايةِ الكافية من الغذاء والدواء وتتخلص من المسبباتِ الخارجية التي تعجل حالةَ الموت، وكيف تكون أعمار مجتمعاتٍ أخرى أقصر حينما تفتقر لعناصر الرعاية الجيدة.

ما تقدم يغرينا أن نسأل: هل هناك مفاتيح للبقاءِ مدةً طويلة يستطيع أن يمتلك البشرُ بعضها أو كلها في سعيهم نحو الحياة المديدة؟ من المؤكد أن البشر لا يستطيعونَ امتلاك كل المفاتيح التي تمكنهم من بقاءِ صلاحيةِ الجسد ما لا نهاية، لكن افتقادهم هذه القدرة لا يجب أن يمنعهم من السعي نحو امتلاك أكبر عددٍ من المفاتيح والوسائل من الغذاءِ والدواء والبيئة التي تحمي الجسم من المؤثراتِ السلبية من الخارج. وهل يعني أن حالات امتداد أعمار بعض الأفراد أو المجتمعات التي ذكرها التاريخ أنها عاشت مئات السنين أتت في سياق معرفتهم أكثر ممن سبقهم ومن جاء بعدهم ببعض الأسرار التي مكنت أجسادهم من بقائها سليمةً صالحةً لتكون محلاً تسكنه الروح، ليس إلاَّ؟ ربما نعم، فهم في النهاية لم يخالفوا القاعدةَ الأصلية بعدم امتلاك البشر لكلِّ أسرار البقاء الأبدي. ولا بد للإشارة هنا إلى ما أحرزته البشريةُ من تقدم منذ منتصف القرنِ التاسع عشر حين كان متوسط عمر الإنسان يناهز الأربعينَ عاماً في أغلب بقاع العالم، بينما الآن تُقارب الأعمار في كثيرٍ من العالم الثمانين عاماً.

كل هذا الاستدلال الذي لا ينتهي يقودنا لنمزقَ جلبابَ الخمول والكسل في الاعتناءِ بصحة هذا الجسد ولا يجوز أن نظن أنه سيان صحته واعتلاله، وإن كان الجسد يبلى فإنه في إرادة خالقه من الممكن أن يبقى مدةً طويلة، مكاناً مناسباً يليق بجمالِ الروح والنفس والعقل التي تحيا فيه وتسكنه حتى حين. لا يمكن أن يمتد بنا العمر إلى الأبد، بل لنا آجالنا. ومع ذلك فإن مدةَ تلك الآجال تبقى معلقةً بمعرفة واستخدام ما يبعدنا مسافةً أطول من الموت.

مستشار أعلى هندسة بترول