آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:00 م

علماء القطيف والمجتمع

سلمان العنكي

المجتمع القطيفي خرّج قامات علمية، والجهل يُرخي بظلاله على أكثر مناطق العالم، من يستقريء التاريخ يراه غالباً عصر ظلام في تلك الفترة. في حين يجد مصابيحاً من علماء القطيف أضاءت أرضها وانارت سماءها وتعدت.

ولازال في اذهان كبار السن ذكريات أن القطيف تسمى النجف الصُغرى لكثرة علمائها، منهم من جمع بين العِلمين، أما نجف العراق فهي حاضرة وحاضنة للعلوم والعلماء على مستوى العالم بأكمله، وكعبة لمن أراد له طلباً.

والعالَم غرباً وشرقاً في سبات عميق غارق في جهله، وقريباً إن شاء الله نرى القطيف كما كانت نجفاً صُغرى. القطيف اليوم في عصرها الذهبي الزاهر تزخر بعلماء الدين الذين يمرون بمراحل شاقة وطويلة في مسيرتهم العلمية

الأولى: الطلبه حديثو اللحاق بالعلوم الحوزوية، يدرسون المبادئ منها أو كما تسمى بالمقدمات أولها اللغة.

الثانية: مَن قطع شوطاً وأنهى المقدمات ولكن لازال عليه المواصلة وإنهاء الكثير من المناهج والكتب الحوزوية المعتادة والمعروفة في الأغلب التى تؤهله إلى مستوى اذا تجاوزه يتمكن من التدريس.

الثالثة: من وصل إلى مرحلة التدريس المبدئي ولكن عليه مواصلة درسه إلى أعلى كلما أمكن، حتى يصبح بمقدوره المحاضرة على طلبة من المستوى المتوسط ومن هم دون مستواه وعلى الأغلب هذه المرحلة تحدد طالب العلم هل هو متفوق أم لا؟ هل من الممكن أن يصل إلى ما يؤهله للاجتهاد ومرحلة البحث الخارج؟.

الرابعة: العلماء بمرتبة مايسمى ب «آية الله» هم النخبة المتميزة التي تمكنت من استنباط الاحكام الفقهية وتعتمد على نفسها في الفتاوى ولوتبعيضاً، ويمكن اعتماد الغير عليها او بعضها، في القطيف حالياً من هذه الطبقة مافيه فخرها وعزتها. ولا استبعد ان تبرز في العقود القريبة القادمة قيادات دينية «مرجعيات» يشاراليها بالبنان.

هذه نعمة مَن يحظى بها فقد أوتي حظاً عظيماً. وقد حظيتها القطيف.

مقدمة بسيطة ومختصرة لما نريد الدخول فيه. نحن مجتمع يدين بماجاء به محمد وحمله من بعده آله . نحن أتباع مدرسة اهل البيت الكرام. القطيف مجتمع محب للعلم والعلماء، نشد على سواعد هذه الصفوة ونكن لهم كل احترام وتقدير، وهم أهل لذلك. ونقدر متاعبهم وانشغالاتهم وجهودهم المتواصلة، يحتاج المنتمي إلى العلم التحلي باخلاق وسلوك مشرفة.

نشكر جهودهم المضنية - ولكن في العين قذى وفي الحلق شجى - طرحُنا لهذا الموضوع يحتاج إلى مكاشفة وتحمل ولو نسبياً... وهنا اعتذر من عرض آراء ومقترحات غير موافقة للبعض، أنا بشر قد أصيب وقد اخطئ، لاأخشى النقد أو مخالفة الرأي اذا كان بناءً، بل أرحب به، لإيماني أن تداخل الآراء ومقارعتها مع ما يتمخض عنها توصل لحلول، وتفتح آفاق من المعارف، وتظهر هواجس المجتمع..

أما الاعتراضات والآراء الهدامة أو المنحازة أو المشخصنة لاتعني شيئاً ولا أهمية لها، علماؤنا بشر تحصل منهم الغفلة ويتعرضون للنسيان ويقع منهم الخطأ وتلهيهم المتاعب أحياناً ولهم ظروفهم الخاصة، وعليهم التزامات عائليه، ولايؤاخذ عليهم في ذلك، لكنها ليست مبرراً لما نطرحه فيما بعد ونطلبه منهم، لرحمك وجارك حق، ولمجتمعك حقوق، هم من ناحية التواجد المجتمعي ثلاث فئات. «1» النشط المتميز في المجتمع المتواجد في اغلب المناسبات، من حبه لمجتمعه تراه مُنظماً في مجموعات - جروبات - مع ماله من انشغالات ومابها من ازعاجات ويشارك كل يوم بمواضيع انشائية أو نقلية ويجيب من يسأله. ويتدخل احياناً اذا احتاجت مسألة لجواب أوتصحيح. وماذاك إلا ليصل رسالة لمجتمعه. مثل هذا محل تقدير واحترام.

«2» من تجده عند الطلب ولو بصعوبة، او في مواقف ولكن دون المطلوب بدرجات مع ذلك له الشكر والثناء. لتجاوبه وتواجده

«3» فيهم وللأسف من نسي مجتمعه إلى ان وصل به الحال لا يعلم حيهم مِن ميتهم،،، ولايُعرف هو في حضر أو سفر. وللمجتمع مواقف منه خاصة من هو بمستوى المرحلتين الثالثة والرابعة كما وضحنا وصنفنا سلفاً وهذا لا يعني اعفاء البقية... مع كثرتهم - يحفظهم الله ويزيدهم علماً وتوفيقا وتُقى ويطيل في اعمارهم - نحتاج أن ننادي احياناً من يصلي على جنازة وتتصل ولا مجيب - البعض ينأى بنفسه أن يصلي عليها - والجميع ينتظر.

من المعقول يبحث ولي المسجد عن إمام يؤم المصلين فلا يجد إلا بصعوبة وتمسكن وبشروط أو لا يجد؟ لا استبعد أن يأتي يوم كم يُدفع ليُصلى؟ أمِن المقبول يدخل من ناهز الستين عمراً مجلساً حاشداً بينهم عالم دين يبدأه احتراماً بالسلام كما هو متعارف عليه عندنا. وإذا به ينفر في وجهه ويتلفظ بكلمات غير مقبولة حتى من جاهل. وبدون أسباب وكأن المُسلِم؟؟؟ دخل مسجداً. وعندما يسأل هذا ما الذي حصل؟ ما ذنبي؟ لماذا هذا الشيخ يعاملني هكذا؟ الجواب لا شيء هذا طبعه احياناً. عَمَل مع غيرك مرات من قبل. تصرف بغيض وسوء خلق قد يخرج ضعيف الإيمان من دينه.

للأسف حصل هذا وانا في المجلس.. هل هذه تعاليم الدين؟ هل هذا ما تعلمته يا شيخ من أكثر من خمسين عاماً؟ هل هذه خلق جعفر بن محمد - ع -؟ لو شكاك إليه ماكنت فاعل؟ انت أهنت موالياً. ماذا يقول الحاضرون فيه وعنه؟ إلا يظن هؤلاء أنه أجرم ما لا يغتفر؟ مراجع دين يرحبون بالكبير ويقبلون يد الصغير لو جاء أحدهما مسلماً.

الرسول الاعظم - صلى الله عليك - قبّل يداً عاملةً وقال «انها يد يحبها اللهُ ورسولُه» تعلم منهم. كن داعية بأفعالك قبل أقوالك. العلم والحلم توأمان لا يُحسن الفصل بينهما. كن بئر غرس ولاتكن ماء بئر العسيرة.

المريض تغمره الفرحة حين يعوده عالم ويعتبر بيته بُورِك بدخوله وإذا به لا يجد من يدخل عليه السرور ويرفع معنوياته وعنه معاناته. عزاء المتوفي ثلاثة ايام لا تجد بين المعزين عالماً في اغلب الأحيان، إلا ما نذر ولاسباب تكون مناسبة دينية واجتماعية أو حفل شبابي بأنجازات وطنية لا تجد من العلماء من يشارك فيها. ليس مطلوباً من العالِم حضور كل هذه المناسبات والمشاركة.

نعم يصعب عليه والجميع يتفهم ذلك. وإنما بقدر الامكان. هلال شهري رمضان وشوال من يثبتهما لا يبين على فتوى اي مرجع ثُبٌتت. أو كيف؟ حتى يعرف المقلدِ تكليفه، يصوم يفطر أو - لا؟ يبقى في حيرة من امره والسبب عدم التوضيح. على من يتصدى للتثبيت بيان كيفية اثباته أو نفيه، حتى يعمل كل مقلدِ بتكليفه الشرعي الموافق لفتوى مرجعه. صلة الارحام وحسن الجوار على اي وجه كانت وتكون؟ لو سألت عالِماً عن قطيعة الرحم أليست من الكبائر؟ بماذا يجيب؟ ان قال واجبة. هو يعلم تارك الواجب مأثوماً. ولا يسعه غير هذا. إلا ان يدلس.

نقل لي جمع من أبناء المجتمع وأنا اعلم ان لهذا العالم وذاك رحِم من الدرجة الاولى، أخ، اخت، يحتاج وقفة معنوية فقط. يصاب بعارض مرضي، او تحترق داره. او يتعرض احد اولاده لحادث مميت. او من مصائب الايام. وما اكثرها! فلا يسأل عنه مع علمه. ولا كأن الأمر يعنيه، اما ان كان الرحم اماً او اباً، فهذه أم المصائب، لو كان من سائر المجتع وهو بمكانته العلمية لوجب عليه الوقوف إلى جانبه، كيف برحمه؟ ومنهم من يُعامل جاره كما يُعامل رحمه سلباً. أليس للجار حقوق؟ تعجز ان تُؤذي بعضها. تكون عنده الأفراح والاتراح ولا عداوة بينكما. وان سلّمنا هناك خلاف. يفترض ان هذا ينهيه بمواساتك له ووقوفك بجانبه.... ايضاً ليس مطلوباً منك كل يوم على باب رحمك او جارك، فلا اقل عندالحاجة، والقائمة تطول، للاسف مِن الاخوان مَن يشتبه عليه فهم بعض المعاني. مجرد عرض فكرة أو نقد تصرف لعالم بأحترام ودون المساس بذاته. يقيم الدنيا ولا يقعدها ويحولها الى جريمة يدافع عنه بأستماتة، وكأنك خرجت من الملة او غيرت فيها. من انت حتى تُسفّه عقولَ الاصلاح بأخطاء الجهال؟ نأمل ونرجوا من العلماء ان يشدوا على أيدي بعضهم ويكونوا وحدة واحدة. القطيف في حاجة ملحة لمجلس علمائي موحد يجمع اطيافها بغض النظر عن توجهات التقليد، في وقتنا الحاضر اصبح هذا المطلب من الضروريات وأن يتناسوا السلبيات التى بينهم ولو بنسبة تقربهم الى بعض وتلم شملهم، وان يكونوا سداً منيعاً ضد من يريدُ بنا سوءاً من تيارات الحادية أو داعية للانحراف ويكون مقصداً للفتاوى الشرعية والصلاة. ومن له رحم اوجار والكل منا له ارحام وجيران عليه ان يراجع وضعه وعلاقاته معهم. كما نطالب ان يكون للعلماء حضور واضح في المجتمع في جميع المواقف والمناسبات وبقوة حتى تكون وجوه المجتمع مشرقة بهم، ولهم يدٌ واحدةٌ يرفعونها متشابكة الاصبع.. هذا مطلب اجتماعي،

نحن معكم. انتم قدوتنا. اذا فقذنا حضوركم بيننا بمن نقتدي؟ هذه الحقيقة قلتها وإن رُميت بأحجارها أواصابتني سهامها. ارجو ان تصل رسالتي هذه للجميع. مع تحياتي للعلماء العاملين، ولاطياف المجتمع.