آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

زينب «حُسن العواقب»

الدكتورة زينب إبراهيم الخضيري * صحيفة الرياض

هل تساءلت مرة - عزيزي القارئ - ما الذي يجذبنا لشخصية أو قصة معينة، أو حتى معلومة جديدة، يا ترى هل هو صدقها، كثرة أحداثها، الشعور الإنساني بداخلها، أم ماذا؟ أليست القدرة على التعبير بموسيقى مختلفة عن موسيقانا الداخلية هي السر؟ أليس ذلك السحر الغامض والدهشة التي نبحث عنها في الصوت الخفي لأرواحنا قد ينسجها أديب سواء كان شاعراً أو قاصاً أو روائياً؟

الواقع أنني مغرمة في البحث عن أصول الأشياء التاريخية، ويعجبني أن أتتبع تاريخ أي شخصية لمعت في عالم العلم والمعرفة والأدب، إلا أنني هذا اليوم أحببت أن أشارككم بعضاً من دهشتي العظيمة عندما تعثرت بسيدة الرواية العربية زينب فواز العاملي، وهي أول من كتب الرواية العربية مكتملة الأركان، هذه الفتاة القادمة من أسرة فقيرة، والتي ولدت في بلدة تبنين العام 1844م، لم يكن أحد ليتصور أن تصبح إحدى أهم النساء المدافعة عن حقوق بنات جنسها في تلك الفترة، حيث عملت كخادمة في منزل إحدى الأسر الكبيرة في ذلك الوقت، وكانت هذه الأسرة لديها مكتبة، وتهتم بالأدب والثقافة، فأثرت هذه البيئة عليها، واستفادت كثيراً من وجودها في هذا المنزل المليء بالكتب، وسرعان ما تغيرت حياتها وتزوجت أكثر من مرة، ثم تزوجت من ضابط مصري وذهبت معه إلى مصر واستقرت بالإسكندرية، وهناك درست على يد الشيخ محمد شلبي، والعديد من المشايخ، وكانت تلك البيئة هي من استخرجت مكنوناتها الأدبية بالإضافة إلى بيئتها الأولى، الأكيد أن لديها نزعة تحررية، حيث قضت حياتها تدافع عن حق المرأة في العلم والعمل، وكان لها السبق في تبنيها الدفاع عن حقوق المرأة، وذاع صيتها في تلك الفترة، حيث كانت تكتب وتشارك وتناقش في كل محفل، ولم تتوقف عن الإبداع، فالكتب العديدة التي أبدعتها مثل ”الدر المنثور في طبقات ربات الخدور“، أرّخت فيه ل456 امرأة من نساء الشرق والغرب، كذلك ”الرسائل الزينبية“، والذي تتحدث فيه عن قضايا المرأة وحقها في التعليم والعمل.

إلا أنني سأتوقف عند أول رواية كتبتها، وهي في الواقع أول رواية عربية سبقت رواية هيكل، وهي ”حُسن العواقب“، حيث أصدرتها العام 1899م أي قبل رواية ”زينب“ للأديب محمد حسين هيكل ب15 عاماً. حيث بعض المصادر تنقل أن أول رواية عربية كتبت هي لهيكل، ولكن هذه المرأة الشجاعة التي لم تكن تتهيب المجتمع ونظرة الآخر لها كتبت وناقشت ونافحت عن كل ما تؤمن به ونشرت روايتها ”حُسن العواقب“، والتي تدور بين قطبي الخير والشر وحق المرأة في الاختيار، مستندة على شخصيات الرواية التي تتصاعد أحداثها وتهدأ طبقاً لمبادئ وأفكار الروائية، وهنا حق علينا أن نذكر ونتناقل مآثر هذه السيدة التي شقت لنا طريق الرواية الوعر.