آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 1:13 م

الطفل في متاهات الحروب

عبد الرزاق الكوي

قال تعالى في كتابه الكريم ﴿والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة.

الأطفال زينة الحياة وبهجتها ومستقبلها اذا كان هذا الطفل يعيش في بيئة مناسبة تكفل فيها ابسط حقوقه وتطلعاته وما حث عليه الدين الاسلامي والديانات الاخرى والمواثيق الدولية.

قال تعالى: ﴿المال والبنون زينة الحياة الدنيا.

فقد اهتم الاسلام بالطفل ووضع توصيات وإرشادات وحث على تطبيقها وجعلها من الواجبات الشرعية في فترة الحمل وفترة الرضاعة والطفولة.

قال تعالى: ﴿يا أيها الناس قو انفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة.

فهذا التشديد والتأكيد لما لهذه الفترة من اهمية في حياة الطفل وانعكاساتها المستقبلية على الأمة والمجتمع واستقراره، فسن الاسلام القوانين ورسم الخطوط العريضة والضرورية من اجل حماية هذه الفترة من حياة الطفل، فكل مرحلة لها متطلباتها ليكون النتاج مجتمع صالح.

وبسب بعد الانسانية عن المبادئ الاسلامية في الاهتمام بالطفل وتربيته التربية الصالحة والعناية به وإعطاءه الحقوق التي اقرت له من قبل الدين الحنيف وما جاء وحث عليه المصطفى صلى الله عليه واله. وبسبب تزايد الانتهاكات بحق الطفل وهدر ابسط حقوقه وانتهاك انسانيته بأن يعيش في مستوى معيشي لائق لنموه البدني والعقلي والروحي والمعنوي والاجتماعي اعتمدت في عام 1954، يوم يحتفل به في 20 نوفمبر من كل عام أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة إعلان حقوق الطفل الذي يحدد حقوقه في الحماية والتعليم والرعاية الصحية والمأوى والتغذية الجيدة.

رغم مرور كل تلك الأعوام الطويلة من تأسيس واقرار يوم للطفل فلا زال يعيش حياة مأساوية في كثير من بقاع العالم تحت مظلة حروب الكبار العبثية تشن لأغراض سياسية او اقتصادية او استراتيجية او بتدمير القوة العسكرية المتنامية لدولة من الدول ويكون الضحية الأضعف في المجتمع الا وهو الطفل، فالحروب وآثارها تدمر الاقتصاد والبنية التحتية للمجتمعات.

حسب احصائيات الأمم المتحدة هناك حوالي واحد مليار طفل يعيشون في مناطق يتواجد فيها صراعات، ومنهم ما يقارب ال 300 مليون طفل دون الخامسة من العمر. وبين ستة أطفال في العالم تقريبا هناك طفل يعيش في منطقة نزاع مسلح، ويوجد 29 مليون طفل على اقل تقدير في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يفتقرون إلى متطلبات الضرورية للحياة وهناك زيادة بنسبة 300 في المائة تقريبا في عدد الأطفال الذين قتلوا أو أصيبوا من جراء الحروب،

من المتسبب بهذا الكم من الكوارث في حق الانسانية واثارت الحروب العبثية خصوصا في العالم الاسلامي من أفريقيا إلى أفغانستان إلى الدول العربية هل كل ذلك صدفة او امر عارض أو عدم ادراك للمخاطر ام هي مفتعلة من اجل مصالح عالمية ومخططات مرسومة مسبقا لهذه الدول من اجل أهداف واطماع وتحالفات الضحية الأكبر فيها هم الأطفال الأبرياء.

فالأمم المتحدة والهيئات الدولية تعمل جادة في انقاد ما يمكن انقاذه في ظل شح الموارد وبسبب ما ينفق لاستمرار هذه الحروب من اجل استمرارها، لو انفق جزء بسيط من هذا المال لعاشة البشرية في نعيم وراحة بال لكن الأطماع المافيات السياسية جعلوا العالم الثالث مرتعا لتجاربهم وتحقيق تطلعاتها حتى لو قتل ملايين الأطفال.

فلنأخذ مثلا قريبا منا رغم ان وسائل الاعلام جعلت كل الأحداث قريبة على مدار الساعة بالصوت والصورة مشاهد الدمار والمأسي التي تتعرض لها البشرية بشكل عام والأطفال بشكل خاص، حتى لا نذهب بعيدا من بداية الحرب في البلد الجميل سوريا الذي دمرتها الايدي الخبيثة ولا زالت تكيل له المؤامرة تلو الاخرى، حتى عام 2017 قتل نحو 28 ألف طفل، ووجود قرابة المليون طفل يتيم ونحو1,8 مليون طفل لا يتلقون التعليم، وأما عدد المصابين والمتأثرين من ويلات الحرب من الأطفال فحدث ولا حرج عن ما يزيد عن 5 ملايين ونصف مليون طفل الذين يعيشون في اوضاع إنسانية مزرية تسببت في كثير من الاعاقات في ظل تدمير وتوقف المستشفيات وقلة الكادر الطبي وشح الأدوية، وأن ما يزيد عن مليون منهم غير قادرين على الحصول على الحدود الدنيا من الخدمات الصحية والاجتماعية الضرورية، وان من حرم من الدراسة بسبب الحرب ومخاطر الصول للمدارس او تهدمها من قبل العصابات المسلحة او استخدامها لأغراض عسكرية كل ذلك ينعكس تأثيره على حياة الأطفال.

اما من هجر من بلداتهم فهم يواجهون ماسي مضاعفه وتحديات غاية في السوء فالملايين من هجروا محرومون من الضروريان القصوى والغاية في الأهمية مثل العناية الصحية بسبب معاناة التنقل والعيش في مخيمات لا تحتوي على ابسط الضروريات يحرم فيها من الصفة القانونية والوثائق المدنية بسبب فقدانها اثناء الحرب مما تأثر في نيل ابسط حقوقهما بعدم تسجيلهم في المدارس او بعد الولادة، وهذا اذا حصل لهم وحالفهم الحظ بملجأ يقيهم عناء العيش في الشوارع ومخاطره، نشاهد أطفال في عمر الزهور في الساحات والشوارع وامام الاسواق والمحال التجارية بوجوه شاحبة وأجساد هزيلة أتعبها عناء الجوع وأثقل كاهلها الفقر وهد اجسامهم عدم العناية الصحية اللازمة، شردتهم الحروب وظلم الانسان يبدأ فيها اجمل اوقات حياته في متاهات وأخطار الشوارع وما ينتج عنه من استغلال لبراءة الأطفال من قبل المجرمين والعصابات وتجار المخدرات وتجار البشر، ولقمة سائغة للتنظيمات التكفيرية المسلحة تجندهم في حروبها الإجرامية التي تعمل بأسم الدين والدين براءة من افعالها الخبيثة ومنهجها الفاسد وعمالتها الواضحة، كما يعيش الطفل حياة التسول ويأكل بقايا الأطعمة من براميل الزبالة ليسد بها رمق من جوعه ليبقى على قيد الحياة، فالبشرية التي تتغنى بحقوق الانسان والتكافل الاجتماعي يعيش فيها اليوم على نطاق العالم أكثر 20 مليون طفل مشرد من جراء الصراعات المسلحة او انتهاكات حقوقهم وثلث هذا العدد مشردون داخليا ضمن حدود بلادهم وكثير منهم يضطرون إلى الفرار من ديارهم بحيث يقطعون مسافات كبيرة هربا من الحروب المفروضة عليهم، يعيشون حياتهم في متاهات التشرد واللجوء جل فترة طفولتهم.

من المؤسف والمؤلم ان يكون قدر براءة الطفل في العالم الثالث بشكل عام والعربي بشكل خاص ضحية لحروب لا ناقة له ولا جمل، يتعرض فيها العنف والقتل والتهجير واستخدامه دروع بشرية من قبل المجموعات الإرهابية، اذا نجى من القتل او الإصابة المباشرة لم ينجى من اثرها النفسي على مجمل حياته المستقبلية، وهذا خطر خفي لا يمكن تقدير عظمته وتأثيره في حياة الطفل، فأصوات الطائرات الحربية ودوي الرصاص وأهوال القاذفات والرعب الذي يسببه المقاتلين وجرائمهم بالذبح وصل الحال ان يجندوا الطفل ويأمرونه بالقتل والدبح ويجبرونه او يعملون له غسيل مخ من اجل ان يفجر نفسه.

فالإنسان البالغ تأثر عليه كل تلك الاعمال وتهد قواه وتأثر على نفسيته فما بالك بمدى تأثير كل ذلك على طفل بريء حلمه ان يدرس ويلعب ويعيش حياة هادئة في ظل أسرة يعمها الامن والسلام والمحبة، بدل مشاهدة فضائع الحروب وأهوالها من اجساد مقطعة ودماء تلطخ ليس براءة الطفولة بل جبين الانسانية.

فالدول بشكل عام التي تعيش بدون ويلات الحروب تعاني اليوم من ازماتها الاقتصادية وتضيق درعا بمشاكلها والمتأثر فيها المواطن وأطفاله الذين يعانون من الفقر والحاجة وقلة الحيلة في حياة كريمة، فما مصير دول خاضت سنوات من الحرب شنت من قبل مرتزقة خربوا ودمروا البنية التحتية لأجزاء كبيرة من دول ذات سيادة، تحولت في يوم وليلة الى ركام ما مدى التأثير المستقبلي على المواطن بشكل عام والطفل ان يعيش افضل سنوات عمره متشردا محروما من جل حقوقه، فهذه من ابشع الجرائم ان يكون الطفل المتأثر الأكبر فيها، ان تذهب سنوات الطفولة في غمار الحروب المفتعلة من قبل قوى خفيه يكون فيها مرتزقة التنظيمات المسلحة الأداة للقتل والتدمير.

فالطفل وأسرهم لا يحلموا ان يوجد لهم مكان من اجل معالجتهم من ويلات الحروب وتأثيرها على نفسية الطفل، بل كل ما يتمنونه ابسط الحقوق سكن يأوون فيه ومستشفى تداوي جروحه الجسدية، وغذاء يقيه الاكل من المخلفات ويقيه الحاجة للتسول ومدرسة يتعلم فيه كبقية أطفال العالم.

اما العلاج النفسي والتي لا يقل اهمية عن علاج الجسد فهو حلم في واقع خطر أوجدته مجموعة من المجرمين يعيش الطفل فيه معاناة الاكتئاب والقلق والخوف ومشكل في النوم والعنف وغيرها من المشاكل النفسية.

زد على ذلك ما خلفه الإرهاب المجرم من زرع الألغام الأرضية التي لا ترى بالعين القابلة للانفجار تذهب بارواح المثيرون وتصيب اخرون بإعاقات مستديمة وأجساد مقطع، تبقى هذه الألغام لعقود من الزمن مصدر خطر تصيب أفراد المجتمع بشكل عام والمهجرين العائدين مع أطفالهم الى بلداتهم التي احتلت من قبل الاجرام المسلح.

اكيد الأمل والدعاء وتكافل هيئات دوليه ان يخفف هذا القتل ويكف مثيروا الحروب من تسليط مرتزقتهم على رقاب العباد نشاهد الأطفال على مقاعد مدارسهم يتلقون العناية الصحية ويعيشون الحياة الكريمة ونيل ابسط حقوقهم الانسانية تعود البسمة على شفاة جيل الغد وامل الأمة ومستقبل مجتمعاتهم.