آخر تحديث: 24 / 4 / 2024م - 3:05 م

أيها المحقق كونان توقف!!

المواقف الساخنة بين الزوجين - مهما بلغت حدتها ومستواها التوتيري - هل يمكنهما تجاوزها دون أن تحدث أي ندوب وجراح في بنية علاقتهما الزوجية، أم أن السعادة الزوجية والتفاهم بين الشريكين كفيل باستقرارهما وبتجنيبهما أي خلاف ومشاحنة؟

لا تخلو أي علاقة اجتماعية أو أسرية من خلاف أو لحظات صعبة تكون فيها الأعصاب مشدودة بسبب ضغوط الحياة فمصادر القلق والهموم أكبر من التعداد والإحصاء، والأمر المهم هو كيفية التعامل مع تلك اللحظات الصعبة والتي تتباين فيها المواقف.

البعض يراكم الضغوط دون معالجة أو نسيان حتى ينفجر كالبركان في وجه شريك الحياة ولا يبقي ولا يذر أو ينسى ويحذف أي تقصير أو زلة، وفي الجهة الأخرى هناك من يرى في ذلك هجوما يتعرض لاعتباره وكرامته ولابد من مواجهته لئلا يكون طرفا ضعيفا، وهكذا تتعدد جولات الصراع والخلاف حتى تكون أيقونة تتردد في كل يوم، دون شعور منهما بما يفقدانه في كل يوم من استنزاف لطاقتهما النفسية وانحسار العاطفة بينهما، وتكبر الفجوة والتباعد والجفاء وتتدحرج كرة الخلافات حتى تكبر وتصعب معها الحلول!!

المسار الوحيد لتجنب مفاعيل أي خلاف ومشكلة وتباين للتصورات بينهما هو التسامح وتجاوز تلك العقبة بصب ماء العفو على نيران المشاحنات، وأما الفعل المتشنج وردة الفعل العنيفة أو المحاسبة الدقيقة لن تكون لها من نتائج إلا ما هو كارثي.

روح التسامح كثقافة وممارسة وسلوك يجنب الزوجين الاضطرابات المستمرة في علاقتهما، إذ تفهم ظروف الآخر والتغافل عن الأخطاء البسيطة أو التقصير غير المتعمد ولا المتكرر يعطي رسالة إيجابية لشريك الحياة، كما يدعم بقوة علاقتهما المبنية على التفاهم والاحترام، فمن المنغصات فتح ملفات للأخطاء وتكرار الحديث حولها وتحولها لإسطوانة مشروخة لا تتوقف، بينما ذكاء الزوجين يوجههما نحو تهدئة النفوس كلما حدثت أي مشادة وفتح صفحة جديدة بعد أي خطأ اعتذر منه شريك الحياة.

البعض في علاقته الزوجية يلعب دور المحقق كونان في دقة بحثه عن أخطاء وأوجه تقصير الطرف الآخر، بل ويعقد جلسات المحاسبة لكل شاردة وواردة من الكلمات والتصرفات، وتتطور الأمور إلى أشبه ما تكون بالمحكمة وتقاذف الكلمات النارية وإلقاء التهم على الآخر، وكأنهما يخوضان حرب إثبات البراءة متناسيين أن علاقتهما تحكمها المودة لا العناد، الذكاء الأسري يدعوهما إلى تصفير المشاكل وتجاوز مواطن الخلاف والمبادرة إلى سد أي ثغرة تؤدي إلى شيء من الزعل، فيبادر ويسرع كل منهما لطرح ما يجنبهما شبح المناكفات والمشاحنات، ولا سبيل إلى ذلك إلا بروح التسامح والتغافل عن صغائر المواقف والزلات وعدم تضخيمها وجعلها مادة قابلة للاشتعال!

سفينة الحياة الزوجية تعلو موجات عالية وتعصف بها رياح الضغوط والصعاب، والزوجان الناجحان يقبلان مواجهة التحديات ويعملان على تجنب أي تصعيد يمزق أشرعتهما، فهدفهما المستمر هو تجنب أي خلاف يبعدهما عن هدوء يسير بهما بسلاسة نحو بر الأمان، ولا يتم ذلك إلا من خلال تقديم تنازلات وتسامح يشعر الآخر بمحبته ومطانته عنده، وتصور أن التسامح شكل من أشكال الضعف يميل بكفة القوة والاقتدار للطرف الآخر وهم، إذ القوة في العلاقة الزوجية مبنية على الاستقرار والانسجام وتبادل المشاعر العاطفية والتفاهم، دع الآخر يعبر لك عن مشاعره وهو يراك تدلله وتتجاوز عن أخطاء غير مقصودة بعناد أو كراهية، فاللحظات الجميلة بينهما من غير المعقول تبديدها بتقليب دفتر الأخطاء بدلا من مطالعة دفتر الذكريات والمواقف الحلوة.