آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 4:37 ص

رفقاً بما تبقى من مشاعر!

الدكتورة زينب إبراهيم الخضيري * صحيفة الرياض

هل جربت تلك اللحظة التي تحس بها أن العالم ملك لك وحدك؟ هل جربت أن تحزن لدرجة أن يضيق العالم بك؟ ماذا تفعل عندما تتعب من الصراخ على الحياة؟ وما سلوكك عندما تفرح جداً؟ وكيف تحول مشاعرك السلبية إلى مشاعر إيجابية؟ والسؤال الأهم: ما الرهان الجوهري على حياتك، وما الذي يتحكم بمشاعرك وإحساسك تجاه الحياة، وما البرهان الذي تقدمه من أجل إثبات قدرتك على التغيير من الداخل؟ كل هذه الأسئلة تتداعى في روحي وكأن هناك صوتاً داخل رأسي يردد الأبيات الخالدة من قصيدة الشاعر ويليام بتلر ييتس العظيمة ”المجيء الثاني“، حيث يقول: ”الأشياء تتداعى، ويعجز المركز عن الصمود ويُطلَق العنان للفوضى لتجتاح العالم.. الصالح لا يجد سبيلاً للإقناع، بينما الطالح تملؤه قوة متوقدة.. أي وحش فظ هذا الذي يفيق أخيراً ويمشي محدودباً صوب بيت لحم ليولد هناك؟“.

هذه القصيدة تشبه مشاعرنا في مراهقتنا حيث توجد تلك الفترة الضبابية تجاه أنفسنا وعدم الثقة بقدراتنا وبالعالم، وهو شيء يدعو للتأمل، هنا أحاول تحريك الذكريات وأعيد المشهد الذي عشناه سابقاً مع مشاعرنا وفوضويتها والخوف منها، هذا الخوف الذي سيطر علينا فترة طويلة من الزمن يجب أن يختفي إلى الأبد من أجل أن نستوضح أنفسنا ونحدد مسارنا وإعادة النهضة لأنفسنا وقدراتنا وقراراتنا.

إن تحرير أنفسنا من الخوف يبدأ عندما يكتشف الإنسان أنه مدفوع نحو اتجاه معين ونحو أفق ما قد يكون متناهياً في الدقة، والخوف يفسد الضمير فهو يجعلنا عرضة للابتزاز، والتردد، والسكون، والملل، والتراجع حيث نقطة الصفر، لذلك نحتاج إلى فترة لنتفرغ لإصلاح نفوسنا الخائفة ولنعالجها بشتى الوسائل ومختلف العقاقير، فنحن ننازع النهضة النفسية التي يفترض بنا تنميتها لا قمعها، فأغلى ما نمتلك هو نفوسنا التي أرهقناها بالركض طويلاً في طرقات الخوف من المجهول، تأمل نفسك وكأنك تتأمل لوحة تشكيلية أبدعتها يد فنان، فكلما حافظت على مشاعرك وأفكارك، كلما اكتسبت الثقة والقوة والإقدام، تحضرني قصة لرجل تشيكي قام بطلب هجرة، سأله الموظف ”أين تريد أن تذهب؟“ فأجاب: ”ليس مهماً“. عرض عليه الموظف كرة أرضية قائلاً: ”اختر البلد لو سمحت“ نظر الرجل إلى الكرة الأرضية، أدارها ببطء ثم قال: هل لديك كرة أخرى؟ ".. ومغزى هذه القصة أنه وصل لمرحلة السأم العام لدرجة أن يبحث عن كرة أرضية أخرى تحتويه وتنقله إلى عالم خالٍ من الضجر والألم.