آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 2:34 م

المشتركات.. المجتمع

محمد أحمد التاروتي *

البحث عن نقاط الالتقاء، والابتعاد عن مواطن الخلاف، يشكل المحور الأساس في تقريب وجهات النظر، ومحاولة ردم فجوة الخلاف القائمة بين مختلف الأطراف المتخاصمة، لاسيما وان التركيز على النقاط المشتركة يبرد الصراع، ويساعد في تحريك الأمور باتجاه التهدئة، بعيدا عن محاولاوت اثارة الحساسيات، واثارة نارة الفتنة، التي تؤدي الى الانخراط في دوامة العنف، وتحريك البيئة الاجتماعية، من خلال وضع الجميع على حافة الهلاك، او تخريب السلم الأهلي، بما يشكل اتجاها خطيرا، لا ربح فيها على الاطلاق.

وجود إرادة صادقة للتحرك على القواسم المشتركة، يعتمد على الأطراف المتخاصمة بالدرجة الأولى، فاذا وجدت الرغبة الصادقة في تقريب وجهات النظر، وكبح جماح التعصب والمكابرة، فان الأمور تتجه نحو الحلحلة، والقضاء على عوامل التصعيد، وبالتالي قطع الطريق امام الجهات الساعية لتسعير نيران الخلافات، لاسيما وان الأطراف المستفيدة من تفكيك البيت الداخلي، لا ترضى بالمساعي الحميدة، وانما تتحرك وفق قاعدة ”فرق تسد“، الامر الذي يفسر حرصها على اثارة النعرات، وتضخيم الأمور، لتخريب جميع التحركات الهادفة، لتقريب وجهات النظر.

محاولة التعرف على المشكلة، تمثل نقطة أساسية في مشوار المشتركات، بين الأطراف المتخاصمة، لاسيما وان بعض المشاكل تبدأ بشكل بسيط، ولكنها سرعان ما تنتشر كانتشار النار في الهشيم، مما يستدعي استعادة التاريخ، والوقوف على البدايات، من اجل رسم خارطة الطريق، وإيجاد الحلول القادرة، على إزالة الأحقاد الداخلية، فهناك الكثير من المشاكل سرعان ما تنتهي، بمجرد التعرف على أسبابها، او محاولة عقد اجتماعات مع أطرافها، الامر الذي يكشف الكثير من المشتركات ونقاط الالتقاط، بحيث تقود الى النهائيات السعيدة وانهاء الازمة، بما يعود على البيئة الاجتماعية بالفائدة الكبرى، خصوصا وان الصراعات تحدث شروخا عميقة في جدار المجتمع، مما يعرقل حركته تجاه التنمية الشاملة، او تفتح الباب مشرعا امام الأطراف المتصيدة، لتوسيع دائرة الخلاف، وتعميقه للاستفادة منها بطرق مختلفة.

المفاوض النزيه يمثل حلقة الوصل، في الاستفادة من النقاط المشتركة، فيما يحقق المصلحة العامة، من خلال التعامل بحيادية تامة، لاسيما وان الأطراف المتخاصمة تضع المفاوض تحت المجهر، بهدف مراقبة جميع التحركات، والبحث الهفوات، او السقطات سواء كانت صغيرة او كبيرة، الامر الذي يستدعي من المفاوض الحذر التام، واحتساب الخطوات بعيدا عن المجاملة، او التعاطف مع طرف دون اخر، باعتبارها خطوات خطيرة تسهم في تعقيد الأمور، والقضاء على المفاوضات بشكل نهائي، نظرا لانعدام الثقة التامة في المفاوض النزية، وبالتالي فان المفاوض مطالب بإيجاد الأدوات القادرة، على تعزيز الثقة، والعمل بمصداقية تامة، لاسيما وان تقريب وجهات النظر يتطلب الكثير من الصبر، والمزيد من الجهد، خصوصا وان البدايات تكون صعبة نتيجة التشنج الحاصل بين اطراف الصراع.

المجتمع بما يملك من وعي، وقدرة على احتواء الصراعات، يمثل البيئة المثالية للانطلاق باتجاه تطويق تلك الخلافات، من خلال اطلاق اليد لاصحاب الحكمة في القيام بالدور الإصلاحي، والابتعاد عن ممارسة دور المتفرج، وعدم المبالاة، خصوصا وان سياسة ”التفرج“ لا تقتصر تداعياتها على اطراف الصراع، وانما تشمل مختلف الشرائح الاجتماعية، فالنيران المستعرة في النفوس لا تبقى داخل أصحابها، وانما تخرج على شكل ممارسات، وسلوكيات غير سليمة، واحيانا غير متوقعة، مما ينعكس اثرها على البيئة الاجتماعية بشكل عام.

المشتركات تشكل الأساس في التحركات الصادقة، في ”دفن“ الصراعات الاجتماعية، وبالتالي فان وجود عناصر قادرة على اكتشاف تلك المشتركات، يسهم في تطويقها بشكل سريع، خصوصا وان الفشل في اكتشاف تلك المشتركات يساعد في انتشارها، ويوسع دائرتها، بحيث لا تقتصر على دائرة ضيقة للغاية، وانما تلقي بظلالها على العديد من الفئات الاجتماعية، لاسيما وان كل طرف يحاول ”جر النار الى قرصه“، من خلال استقطاب المزيد من التأييد، لمواصلة الخلاف مع الاخر، فيما القضاء على الصراعات، يقضي على الاثار السلبية، " وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ".

كاتب صحفي