آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:00 م

التواصي.. المجتمع

محمد أحمد التاروتي *

مبدأ التواصي يعطي المجتمع تماسكا وقوة، في وجه التيارات الخارجية، لاسيما وان الخصوم في الخارج يعملون على تكريس التناقضات الداخلية، من اجل توسيع دائرة الخلافات في البيت الداخلي، باعتبارها الورقة الرابحة لتحقيق الكثير من الأغراض، والأهداف المرسومة، وبالتالي فان التحرك باتجاه تدعيم التواصي يقضي على جميع الممارسات المشبوهة، من الأطراف الخارجية، الامر الذي يقود الى حالة من الاستقرار الداخلي، وسد الثغرات الصغيرة منها والكبيرة.

وجود الأرضية المناسبة لنمو شجرة التواصي في النفوس، احد العناصر الأساسية لاحداث الأثر الإيجابية، لدى مختلف الفئات الاجتماعية، لاسيما وان التعالي عن التواصي او رفض الانخراط في مسار الانسجام الداخلي، يؤثر سلبيا على التفكير الجمعي، ويحد من القدرة على احداث تحولات جذرية، في أنماط السلوك الخارجي، الامر الذي يشكل تحديا حقيقيا في القدرة على الصمود، في وجه التيارات الأخرى، وبالتالي فان التواصي يعطي زخما قويا بالمجتمع، في مواصلة مشوار العطاء، وعدم الالتفات الى الدعايات او الشائعات على اختلافها.

امتلاك الثقافة الواعية والقادرة على التعامل بطريقة احترافية، مع ”التواصي“ يولد حالة من الرضا، لدى مختلف الشرائح الاجتماعية، لاسيما وان الوعي الاجتماعي يساعد في وضع الأمور في المكان الطبيعي، مما يقضي على المحاولات الساعية للاصطياد في الماء العكر، من جانب بعض الأطراف، المتضررة من وجود التماسك الداخلي للمجتمع، وبالتالي فان التوقف مليا امام الدعوات الساعية، للتشكيك في أهمية ”التواصي“، يمثل حالة إيجابية لدى المجتمع، الامر الذي ينعكس إيجابيا على انتشار هذه السمة الأخلاقية في جميع الأركان، بحيث تشكل حالة عامة لدى الصغير والكبير على حد سواء.

التواصي لا يشكل تهديدا كبيرا على الاستقلالية، او حرية التحرك، وانما يحاول تصحيح بعض المسارات المعوجة، التي تظهر بين فترة وأخرى، لدى بعض الشرائح الاجتماعية، الامر الذي يقود لاعادة الأمور للوضع السابق، مما يقلل من الخسائر المترتبة على السير في الطرق الملتوية، لاسيما وان التواصي يمثل جرس انذار، ولا يستهدف الوصاية، او محاولة السيطرة على التفكير، او سلب الاستقلالية من الاخرين، وبالتالي فان المخاوف التي يسوقها البعض في رفض التعاون الإيجابي، مع ”مبدأ التواصي“، تلك المخاوف ليست مبررة على الاطلاق، باعتبارها هواجس نفسية غير قادرة على الصمود، في وجه الحقائق على الأرض.

الأسلوب يمثل المدخل الأساس، في نجاح او فشل ”التواصي“، فهناك العديد من الطرق لايصال الفكرة بوسائل محببة، وغير طاردة، مما يساعد في تفشي هذا السلوك الأخلاقي في اركان المجتمع، بحيث يظهر على صور مختلفة بعضها ملموس، والبعض الأخير غير مرئي، فيما يكون الفشل الذريع المصير المحتوم، في حال استخدمت الطرق غير المناسبة، او محاولة فرض السيطرة على الاخرين، الامر الذي يسهم في اشاعة النفور وعدم الاستجابة، فالمجتمع يرفض مختلف أنواع الوصاية، باعتبارها وسيلة للسيطرة وسلب الحرية، مما يفسر حالة الممانعة الكبيرة في الاستجابة مع بعض الدعوات.

عملية التواصي تفرضها الضوابط الأخلاقية، بحيث تكون ضمن الأطر الإنسانية، والوقوف بحزام امام مختلف اشكال التعدي على الاخرين، بالإضافة للعمل المستمر على حماية البيت الداخلي من الانهيار، والوقوف امام مختلف أنواع الدعايات المغرضة، فالتواصي ليس مقتصرا على ممارسات محددة، وانما يدخل في جميع الاعمال ذات الأثر الإيجابي، على البيئة الاجتماعية الواحدة، سئل رسول الله ﷺ عن: أنصر أخاك ظالما أو مظلوما، قال: أنصره مظلوما فكيف أنصره ظالما؟ قال: تحجزه عن ظلمه فذلك نصره ".

المجتمع بما يمتلك أدوات كثيرة، يمثل محفزا أساسيا في تكريس مبدأ التواصي، من خلال تشجيع هذا السلوك في مختلف المجالات، الامر الذي يسهم في تكريس هذه الثقافة في التفكير الجمعي، وبالتالي احداث ظاهرة عامة عبر الممارسات اليومية، لدى مختلف الشرائح الاجتماعية.

كاتب صحفي