آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 6:17 م

التنمر.. المجتمع

محمد أحمد التاروتي *

طغيان السلوك العدائي، او سيطرة ثقافة التحقير، او استخدام العنف، ممارسات تكشف خللا في الثقافة السائدة، لدى بعض الشرائح الاجتماعية، بعضها مرتبط بالبيئة الاسرية، والبعض الاخر ناجم عن الوسط الاجتماعية، بحيث تظهر على شكل ممارسات مختلفة، تجاه بعض الفئات الضعيفة، نظرا لوجود قناعات بالقدرة على الإفلات من العقاب، جراء الاستناد الى ركن ”قوي“ اجتماعي، حيث يتمثل في العشيرة او المنصب او المكانة الاجتماعية، او غيرها من الأدوات الأخرى، وبالتالي فان الثقافة الداعمة لاذلال الأخرى، تشكل أداة خطيرة في تفتيت التماسك الداخلي، نتيجة شعور البعض بعدم القدرة على انزال العقاب به، مما يقود لاستمرار القوي في ممارسات الاستضعاف، وعدم الشعور بالذنب.

السلوك العدائي تجاه الاخر، يبدأ صغيرا ولكنه سرعان ما يتطور، على شكل ممارسات عنفية، بحيث تطال القريب والبعيد على حد سواء، بيد ان السلوك العدائي يستهدف الطبقة الضعيفة بالدرجة الأولى، نظرا لافتقارها للأدوات اللازمة للدفاع عن النفس، فالتربية الاسرية تسهم في تكريس السلوك العدائي، تجاه الفئات الأقل ضعفا، او الأقل مكانة اجتماعية، من خلال الإصرار على استخدام النفوذ في السيطرة على الاخر، وبالتالي فان التشجيع الاسري يشكل خطورة كبرى، في ثقافة التنمر لدى الأبناء، مما ينعكس على صور متعددة بعضها مرتبط التعاملات اليومية، والبعض الاخر مرتبط بالتجييش على الضعيف، بحيث تصبح جزء من الممارسات الحياتية، في مختلف المراحل العمرية.

التنمر يتخذ اشكالا عديدة، اذ يصعب قصرها ضمن نسق محدد، فتارة تكون عبر الاذلال المباشر للطرف الاخر بواسطة استخدام القوة، وتارة أخرى تكون من خلال استخدام ثقافة ”الفوقية“ على الاخر، حيث تتعدد الأغراض من وراء التنمر، فالبعض يحاول اثبات الذات، والسعي لامتلاك النفوذ الاجتماعي، عبر استخدامه في الطريق الخاطئ، فيما البعض الاخر يتحرك انطلاقا من قناعات ذاتية، بضرورة ”القضاء“ على الطرف الاخر، الامر الذي يدفعه لاستخدام الوسائل المتعددة، في سبيل الوصول الى الأغراض الشخصية، وبالتالي فان التنمر يسهم في القضاء على الاستقرار الاجتماعي، ويقضي على حالة السلم الأهلي في بعض الأحيان، نتيجة وجود ثقافة تقف المرصاد، لكافة محاولات ترتيب البيت الداخلي.

وجود ثقافة اجتماعية داعمة لمبدأ ”الفوقية“، يعزز ”التنمر“ في السلوك اليومي، لبعض الشرائج الاجتماعية، فهذه المجتمعات لا تولي أهمية ”لا فرق لعربي على اعجمي الا بالتقوى“، مما يدفعها للتحرك بشتى الصور لاظهار ”الفوقية“، على بعض الفئات التي تفتقر للسند او العشيرة، القادرة على حمايتها من السلوك العدائي، وبالتالي فان المجتمع يلعب دورا في تفاقم ”التنمر“، بصورة مباشرة او غير مباشرة، من خلال التغاضي عن السلوك العدائي، او التشجيع على هذه النوعية من الممارسات، الامر الذي يسهم في تنامي هذه الظاهر، لدى بعض الفئات الأكثر قدرة، على التحرك بحرية، نظرا لوجود قوى قادرة على تقديم الحماية لها.

المجتمع يمتلك ”الشفرة“ في السيطرة على ”التنمر“، من خلال التحرك الواعي، وعدم السماح للتوسع لهذا السلوك، والعمل على تحجيم السلوك العدائي، وبالتالي فان تكريس ثقافة ”القانون فوق الجميع“ يقضي على التنمر في مهده، نظرا لادراك الجميع بعدم الإفلات من العقاب، الامر الذي ينعكس بصورة مباشرة على التعاملات اليومية، ويعزز التماسك الداخلي/ ويحمي الفئات الاجتماعية الضعيفة، من التعرض للاساءات الجسدي او اللفظي.

التماسك الداخلي للمجتمع، لا يقوم على توفير الرفاهية المادية فقط، وانما تتطلب العملية الكثير من الجهد، في سبيل وضع الجميع في المسارات السليمة، بحيث تظهر على شكل ممارسات حياتية، في اختيار الاليات المناسبة في التعامل مع الاخر، خصوصا وان التصرفات تكشف نوعية الثقافة التي يحملها الفرد، وتعطي إشارات واضحة عن ماهية القناعات، التي تحركه في التعامل مع الاخر، بمعنى اخر، فان عملية البناء الداخلي للبيئة الاجتماعية، تستدعي وضع السلوك الفردي تحت المجهر، من اجل ضبط الإيقاع بما يخدم المصلحة العامة، بعيدا عن المصالح الخاصة، باعتبارها ممارسات غير نافعة، بحيث تنسف التماسك الداخلي.

كاتب صحفي