آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:33 ص

«لا تنظر إلى من قال.. وانظر إلى ما قال»

أمير بوخمسين صحيفة الرأي السعودي

من أقوال الإمام علي بن أبي طالب ، في عام 1992 يحكي أحد الأصدقاء في زيارة لإحدى الجامعات في بريطانيا مع زميل آخر من أجل الحضور لمحاضرة يلقيها أحد الدكاترة المتخصصين في الدراسات الإسلامية، وقد سمعت مسبقًا لهذا الدكتور فلم يعجبني عرضه وطرحه للموضوع، حيث تناول موضوعًا خارج تخصصه وبدأ يطرح أمورًا بعيدة عن المادة التي سوف يتحدث عنها.

هذه المرة شجعني فيها صديقي وأخبرته بأن لدي تجربة سابقة مع هذا المحاضر ولم أجد نفعًا من المحاضرة، وبالتالي لا فائدة من الحضور، أقنعني صديقي بالحضور مع التأكيد على أن هذه المرة الوضع يختلف، ولننظر للأمر بصورة إيجابية، اتفقنا على الذهاب، وكان لدي موقف سلبي تجاه الدكتور حيث أصبح لدي حالة تبنيتها في رفض كل ما يقال من قبله، مما جعلني أرفض أي فكرة يطرحها حتى ولو كانت مفيدة وجيدة، هذا الحجر الفكري الذي تبنيته ناتج من ضيق أفق ورهاب فكري لم يكن له داعٍ.

هذه الحالة نجدها في مجتمعنا بشكل كبير، حيث تبدأ من الأسرة - القبيلة ثم المجتمع - الجماعات الفاعلة في المجتمع كالجماعات الثقافية والسياسية، وخصوصًا ذات الصبغة السياسية والتي تمنع أعضاءها من الانفتاح على الآخر بحجة التأثر من الفكر الخارجي، حيث يذكر أحد المشايخ بأنه في مرحلة من مراحل الدراسة تم منعهم من قراءة الجرائد وكتب الآخر، وتم محاربة كل الأفكار التي اعتبروها دخيلة، وتم معاقبة من يتبنى الأفكار الأخرى تحت حجة التأثر بالفكر المنحرف، وكذلك من التوجهات الأخرى غير الإسلامية مارست سلطة الرقابة على أعضائها من الحجر ومعاقبة الأعضاء الذين تجاوزوا الخطوط الحمر كما يعتقدون.

هذا الوضع مازال قائمًا ويمارس على كل المستويات من الأسرة والمجتمع وجماعات المثقفين، وهو ما يتعارض مع العولمة والانفتاح وتوفر وسائل التواصل الاجتماعي «السوشيال ميديا»، إذ لم يعد من السهل في عصرنا الحالي الحد من الانفتاح والإنصات للآخر.

وأن ممارسة الحجر الفكري تحت حجة الخوف من التأثر نابعة من عوامل متعددة نذكر أبرزها: 1 - الانغلاق الفكري والثقافي، وأحادية المطالعة والاستماع، فتجد الشخص يقرأ أو يستمع فقط إلى الأشخاص الذين يتماهون معه فكريا وثقافيًا بل ومذهبيًا ودينيًا وفي بعض الأحيان مناطقيًا وقبائليًا، ما يؤدي إلى تشكل ذهنية أحادية التفكير.

2 - طلب الراحة النفسية والمعرفية، حيث إن القراءة والاستماع لأشخاص يخالفون المتلقي فكريًا وثقافيًا يثير في الشخص تساؤلات بحاجة إلى أن يبحث عن إجابة أو تفصيل حولها، وبالتالي البحث وتحريك عقله والاصطدام مع المكونات الثقافية والفكرية التي أصبحت من المسلمات واليقينيات، مما تؤدي به إلى حالة من القلق النفسي والخوف من موافقة الطرف الآخر أو التماهي معه.

3 - هيبة ومكانة الأشخاص أن كانت اجتماعية أو اقتصادية أو دينية، حاليًا أو تاريخيًا، لها تأثير كبير على القبول بما يطرحونه من آراء وأفكار بغض النظر عن صحة أو قوة الدليل، حيث إن أفكارهم نادرًا ما تخضع للمحاكمة والتدقيق.

لذلك في قول آخر يؤكد على ما ذكرناه في البداية «لا تنظر إلى من قال، وانظر إلى ما قال».