آخر تحديث: 18 / 4 / 2024م - 8:50 م

النخبوية.. المجتمع

محمد أحمد التاروتي *

موقف المجتمع تجاه النخب الثقافية، يختلف باختلاف مستوى الوعي، ونوعية الخطاب المقدم، فالمواقف ليست ارتجالية او عشوائية بالمطلق، بقدر ما تكشف الكثير من الخفايا المتعلقة، بالتعاطي مع النخب الثقافية، خصوصا وان المجتمع يجسد القناعات الذاتية على الواقع الخارجي، فتارة يكون بالاحتضان الكامل للنخب، وأخرى باتخاذ جانب المعارضة، والمحاربة الشديدة، وبالتالي فان العملية مرتبطة باتجاهات الوعي الاجتماعي تجاه النخب الثقافي، الامر الذي يفسر سقوط المجتمع في امتحان النخب، ونجاح مجتمعات أخرى في الاختبار.

الوعي الاجتماعي يمثل المؤشر او المقياس، في الارتقاء بمستوى التعامل مع النخب، فالاستيعاب يتطلب وجود عقول قادرة على ”هضم“ خطاب النخب، خصوصا وان الاختلاف الكبير في مستوى الوعي، يقود الى حالة خصام وعداوة شديدة، مما يؤسس لمرحلة ”التصفية“ او ”التهميش“ الكامل او الجزئي، بحيث ينتج تعطيل لتلك النخب في عملية رفع المستوى الثقافي، او المساهمة في صناعة الوعي الاجتماعي.

المجتمع الواعي ينظر الى النخب الثقافية، باعتبارها ”الاوكسجين“ الذي يمده بالحياة، والاستمرار في التجدد الدائم، فالمجتمع الذي يحارب النخب يحفر قبره بيده، لاسيما وان رفع المستوى الثقافي يساعد الوسط الاجتماعي، على التحرك وفق الاليات والمستجدات بطريقة متوازنة، فيما سيكون مصير المجتمع التخبط والضياع، بمجرد توجيه البوصلة بالاتجاه الخاطئ، وبالتالي فان الاستجابة غير الواعية لدعوات محاربة النخب الثقافية، بمثابة خطأ فادح يترك اثارا كبرى على المسيرة الاجتماعية، وبالتالي فان التحرك وفق التوازن يعطي المجتمع مساحة واسعة، للاستفادة من النخب بالطريقة المناسبة، لاسيما وان قتل الكفاءات لا يخدم الجميع على الاطلاق، بقدر ما يمثل خسارة فادحة يصعب تعويضها بسهولة.

وجود عناصر فاعلة، وتمتلك القدرة على ”تحجيم“ الأصوات المعارضة، يمثل احد الأسباب وراء الاستفادة من النخب في مسيرة المجتمع، خصوصا وان العناصر الواعية قادرة على احداث تغييرات كبرى في المجتمع، مما يعود على مختلف الشرائح الاجتماعية بالفائدة العظمى، نظرا لامتلاكها الرؤية الصائبة والقدرة على اختراق الحجب، بحيث تتجاوز المرحلة الحالية، والتركيز على المرحلة المستقبلية، مما يعطل المساعي غير المحمودة، التي تقودها بعض الفئات غير الواعية، لاسيما وان تلك الفئات تتحرك باتجاه التخريب، وتأليب الرأي العام تجاه النخب الثقافية، ”وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ ? وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ ? وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ ? إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ“.

الخطاب النوعي وغير التقليدي يحدث الفرق، في التمايز بين النخب الثقافي، فالنخب الساعية لاحداث صدمة في الوعي الاجتماعي، بحاجة الى طرح خطاب مغاير تماما، لجميع الخطابات السائدة في الوجدان الشعبي، الامر الذي يحفز على اثارة الرأي العام الشعبي، باتجاه قراءة الخطاب الجديد، بنظرة مختلفة تماما عن النظرات السائدة في الخطاب المألوف، وبالتالي فان النخب التي تتحرك وفق الخطابات النوعية تجد مواقف متفاوتة، بعضها يتسم بالاكبار والابهار، بحيث تنعكس على استقطاب فئات اجتماعية، انطلاقا من نوعية الخطاب المطروح في البيئة الاجتماعية، فيما على الطرف الثاني، تواجه الخطابات التجديدية بمعارضة شديدة، باعتبارها خروج عن المألوف والسياق العام، بحيث تفرض التحرك لوقف هذه النوعية من الخطابات، وبالتالي فان التمايز في المواقف مرتبط بنوعية، الخطاب المطروح من النخب.

القدرة على التمييز بين الخطابات المطروحة من النخب الاجتماعية، بمثابة الشمعة التي تضيء الطريق المظلم، فالمطلوب وضع الخطابات تحت المجهر للتعرف على الصالح والطالح، فيما اتخاذ المواقف الارتجالية او العاطفية، تكون اثارها وخيمة على الوسط الاجتماعي، مما يتطلب التريث والتعرف على تلك الخطابات النخبوية، قبل اطلاق المواقف سواء المؤيدة او المعارضة، خصوصا وان تلك المواقف تحدد مصير المجتمع خلال الفترات القادمة، باعتبارها وسيلة للانخراط في مسار التنمية الشاملة.

كاتب صحفي