آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 5:35 م

لنكتب ذكريات جميلة مع ابناءنا

المهندس أمير الصالح *
مازلت اتذكر معظم تفاصيل حياتي في طفولتي لكونها ولله الحمد حياة جميلة، لا سيما ما رسمه والداي العزيزان بمهارة تربوية فطرية. فلا زلت اتذكر انه بعدما تهطل السماء بالأمطار المباركة كما في هذا الموسم، يأخذنا ابي إلى أطراف مدينة الاحساء لتنزه على بعض الكثبان الرملية او تناول وجبة الغداء المعدة من قبل والدتي وتناول الوجبة في منتزه الاحساء الوطني أو على سفوح جبل كنزان. في اجواء الربيع يفاجئنا والدي في بعض السنين بإعلانه السفر جميعا إلى دولة الكويت لزيارة بيت خالي العزيز «و هو بيت عمتي الغالية في ذات الوقت» القاطن يومذاك بدولة الكويت. امتلئ دفتر الذاكرة الجماعية بي وبجميع اخواني وابناء خالي «ابناء عمتي» من جيلنا وصاعدا بذكريات جميلة، حتى أصبحنا نمتلك مشاعر الامتنان والوفاء والعزوة في جنبات الاسرة الكبيرة.

ما استنهض ذاكرتي لكتابة هذه الاسطر مشاهدتي حديثا لـ فيلم القاضي " The Judge“، حيث وجدت كبر وعمق مساحة الشرخ والتشره والقطيعة القائمة بين القاضي الطاعن في السن وابنه المحامي المخضرم «بطل الفيلم»؛ وتلك القطيعة الممتدة لعقود نتيجة لفشل كلا منهما في خلق ذاكرة جماعية جميلة واحتباس كل منهما لمشاهد الفشل وسوء التصرف في ذاكرته في حق الاخر.

لعل موسم اشهر الخريف والربيع من اجمل مواسم السنة لعقد رحلات وحفلات شواء وأنشطة متعددة في جو مفتوح outdoor وعقد حلقات تسامر اسري كبير تعزز روح الانتماء وترسم ذاكرة جماعية جميلة تنعكس على روح الابناء المشاركين لعقود طويلة.

اخذ زمام المبادرة من كل اب او اخ لجمع ابناء اسرته او ابناء حمولته او محلته دونما منّْ او تصادم هو عمل يستحق التسابق عليه لأثره الطيب في النفوس. وللحق هناك اباء مميزون في هذا الصدد.

كما ان فصل الصيف الحار والشتاء القارس يعطي مبرر لعدم عقد اي رحلات خلوية، الا انه يعطي مبرر كاف لعقد انشطة أسرية متعددة داخل مجالس المنازل أو في الأقبية، ان توفرت، تعزز العلاقات بين كل مكونات البيت الواحد والبيوتات الاسرية الكبيرة ذات الأجيال المختلفة. في الشتاء القارس في بعض مدن الشمال الاوربي يلتفون حول المدفئة ويروي كل منهم او من في جعبته قصص واقعية تتضمن النكتة والطرفة والسرد الجميل واستنطاق حسن التصرف في المواقف المحرجة وادارة الازمات والنباهة ونقل التجارب وتبادل الاحجيات او التدارس في توصيات الكتب والافلام والاقلام. مازلت اتذكر اهداء والدي لي كتاب ”الكشكول“ وانا في مرحلة المتوسطة عند رجوعه من زيارة ضريح نبي الرحمة ﷺ بالمدينة المنورة؛ وهذا الحدث ألهمني فصرت اهدي ابنائي كتب للقراءة في موسم الشتاء والصيف للاستفادة من أوقات فراغهم بما ينفعهم. وما زلت اتذكر حكايات ينسجها اخي يوسف من مخيلته الخصبة، واتذكر تعليقات اخي عبد العزيز الطريفة على تلكم القصص، واتذكر قراءة اخي علي لبعض حكم أمير المؤمنين من نهج البلاغة واتذكر تحولقنا حول المدفئة مع والداي وجدي وجدتي واخبارهم لنا عن شؤون الحياة. وهذه الصورة الذهنية ألهمتني لان اتحلق مع ابنائي او احبتي او ابناءحمولتي في مواسم الشتاء حول المدفئة او حول حطب التدفئة.

في زمن الطفرة التقنية المعاصرة قد يواجه البعض أو الكثير من الاباء عزوف بعض الابناء عن الحضور والمشاركة الاجتماعية لانها بالنسبة لأولئك الشباب اضحت تلكم الجلسات باهتة او مكررة او غير محققة لطموحهم او مسيطر عليها من قبل كبار السن او لا يوجد فيها هامش حوار من كل الاطراف المشاركة او لعدم قبول تعدد وجهات النظر. فيفر بعض الابناء بالذهاب مع أصدقاءهم إلى المقاهي أو الاستراحات او الأسواق بشكل مستمر وصارخ. وهنا يبرز ذكاء وفطنة الوالدين في الابتكار للمناسبات وخلق التجمعات الاسرية وادراج أنشطة وفعاليات متعددة تشبع توجهات الابناء من كافة الأعمار.

اذكر نفسي انه كما ان ”الكلمة الطيبة صدقة“، فاني ازعم بان الذكريات الطيبة التي نشارك ابناءنا واصدقاءنا وابناء حارتنا وزملائنا في محيطنا بصناعتها معهم هي صدقة جارية لنا.