آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 2:34 ص

الطعامُ يمحو أوجاعَ السنين!

المهندس هلال حسن الوحيد *

توديع العام واستقباله بأفخرِ الطعام هي عاداتٌ يحاول كثيرٌ من الشعوب من خلالها إضفاءَ شيءٍ من البهجةِ والفرحة أملاً في حظٍّ أسعد وعام مزدهر، وبثاً للمحبة في إهداء الطعام. تضم الموائدُ في العادة من افترقوا ومن اغتربوا، وتكون لهم مناسبةً يمتعونَ أحاسيسهم بحلاوة الطعام وانوفهم بروائحها الزكية على أنغامِ الماضي والتوق للآتِ. وفي تغير الفصولِ من فصلٍ لآخر يجددون بأنواعِ وألوان الطعامِ ما تقادم من حياتهم.

قريباً ينتهي عامٌ ويبدأ آخر، وأكلتانِ في الموروث الشعبي الشرقي تختصرانِ نهاية سنةٍ وبدأ أخرى، هما ”الكبة والملفوف“. الكبة جاءت من بلادِ الشرق، وبها يَرمي ويكب من يأكلها خلفه ما لا يحب ويتحرر منه، ويلف في الملفوفِ أحلامَ وآمالَ المستقبل ويحميها من الضياع.

”كبة“ توافق في لهجةِ أهلِ الشام ”كبها“ أو ارميها. وهذا يخاطبنا أن نكبَّ ونرمي وراء ظهورنا أحزانَ وآلامَ السنةِ التي سوف تنتهي، وفعلاً كان فيها الكثير في الأحزانِ التي تنوعت كما تتنوع الكبةُ الشرقية التي تشتهر بها سوريا، لبنان، الأردن وفلسطين والعراق، وتختلف بعضَ الشيء من بلدٍ لآخر من حيث الشكل والطعم وطرق التحضير والإعداد والتقديم.

وأكلةُ ”الملفوف“ تعني أن نلفَّ ونضمَّ أفراحَ السنة القادمة إلى جوانحنا ليكونَ مذاقها في لذة الملفوف، لكن ومثل ما يحتاج إعداد هذه الأكلة الشهية ويتطلب جهداً ومشقةً كبيرين لكي يكون مذاق الناتج طيباً، كذلك يلزمنا في السنةِ القادمة العمل والنشاط لتكون أفراحها حقائقَ لا أحلام!

أُدعو الله أن يحشوَ طعامكَ ويزينه بألوانِ العافية ويكبَّ فيه الصحة، فلا يطيب الطعام إلا بالعافية. قال سعيد بن أبي عروبة: حجَّ الحجاج مرة فمر بين مكة والمدينة، فأتي بغذائه، فقال لحاجبه: انظر من يأكل معي، فذهب فإذا أعرابي نائم فضربه برجله، وقال: أجب الأمير، فقام فلما دخلَ على الحجاج قال له: اغسل يديكَ ثم تغدَّ معي، فقال: إنه دعاني من هو خيرٌ منك، قال: ومن؟ قال: الله دعاني إلى الصوم فأجبته، قال: في هذا الحر الشديد؟ قال: نعم، صمتُ ليومٍ هو أشد حراً منه، قال: فأفطر وصم غدا، قال: إن ضمنتَ لي البقاء لغد. قال: ليس ذلك لي، قال: فكيف تسألني عاجلاً بآجل لا تقدر عليه؟ قال: إن طعامنا طعام طيب، قال: لم تطيبه أنتَ ولا الطباخ، إنما طيبته العافية!

فلا ينفعنا أن نملكَ كماً من المالِ والنعم الأخرى ما لم نملك العافية! قال رجلٌ لصاحبه الحكيم وهو يتأمل في القصور: أين نحنُ حين قسمت هذه الأموال؟! فأخذه الحكيم إلى المستشفى وقال له: وأين نحنُ حين قسمت هذه الأمراض؟

وفي هذا الشتاء إن استطبتَ شيئاً فأكلته واستمتعت به تذكر وتأمل أن كثيراً من الناسِ إما يملكونَ المالَ ولا يستطيعونَ الأكل، أو يستطيعونَ الأكل ولا يملكونَ المال، وأنت ملكتَ الصحةَ والمال...

مستشار أعلى هندسة بترول