آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 7:46 م

أكبر 100 شركة.. ولكن

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة الاقتصادية

كدأبها كل عام، تنشر ”الاقتصادية“ قائمة أكبر 100 شركة. وهنا أطرح سؤالا ما الذي تعنيه أكبر 100 شركة، من حيث الشركات نفسها وفيما يتصل بالاقتصاد الوطني وازدهاره؟. أما من حيث القائمة نفسها، فنجد أن إجمالي الإيرادات يتجاوز تريليوني ريال، تمثل ”أرامكو“ منها 65 في المائة. ويبدو أننا ونظرا إلى ص٢١الحجم الهائل لـ ”أرامكو“، والآن وقد انضمت إلى الشركات التجارية وغادرت منصة أنها شركة نفط حكومية، فقد يجد متابعو السوق والاقتصاد السعودي إجمالا أنهم بحاجة إلى الحديث من الناحية التنظيمية، عن الشركات مع ”أرامكو“ والشركات باستبعاد ”أرامكو“. وللحق فإن حضور ”أرامكو“ طاغ، في كل المؤشرات من حيث الإيرادات، والأصول والأرباح. وليس ثمة أمر مستغرب في هذا، فتنظيميا درجنا على تقسيم الاقتصاد السعودي إلى القطاع النفطي والقطاع غير النفطي، في محاولة لمعرفة إسهام القطاعات المنتجة، فضلا عن أن قطاع الصناعة في اقتصادنا كذلك يقسم إلى صناعات تحويلية نفطية وقطاع الصناعة التحويلية غير النفطية.

أعود إلى القائمة لأقول إن قطاع الطاقة بطبيعة الحال يسيطر عليها، إذ تمثل إيراداته نحو الثلثين، ويأتي في المرتبة الثانية قطاع المواد الأساسية الذي بقي لأعوام مسيطرا على المرتبة الأولى للقائمة العتيدة إلى أن وصلت ”أرامكو“، واحتلت المرتبة الأولى باقتدار وأريحية! أما الأمر اللافت أن الأنشطة التقليدية ليست مسيطرة فقط على قائمة أكبر 100 شركة سعودية، بل هي كذلك في اقتصادنا الوطني. إذ نلاحظ من الجدول تمكن الأنشطة التقليدية منه، بما في ذلك الطاقة والمواد الأساسية والبنوك، مع وجود أقل وقعا للاتصالات ثم الأغذية، فالتجزئة فالتأمين فالعقار. ورغم حديثنا الموسع عن ”الخدمات اللوجيستية“ في سياق مستهدفات ”رؤية 2030“، وتحديدا برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجيستية، إلا أن وجود نشاط النقل في القائمة محدود، ولا يوجد أثر يذكر للخدمات اللوجيستية. وعلى الرغم من أن الأبواب أخذت تفتح للرياديين بما في ذلك شركات التقنية المالية ”الفنتك“ إلا أننا بانتظار وصول هذه الشركات إلى قائمة أكبر 100 شركة، ولا سيما أن هناك اهتماما واضحا بالشركات الرائدة العالية النمو.

ومع ما تقدم، وعلى الرغم من أن هناك أكثر من سبب للاحتفاء بأكبر الشركات السعودية، أعود إلى السؤال بأن هناك منظورا آخر أخذ يجتاح العالم، وهو هل الأهم أن تكون أعلى ربحية؟ قد يكون الأمر كذلك بالنسبة إلى المساهمين في الشركة، فهل هو كذلك بالنسبة إلى موظفيها؟ وهل هو كذلك بالنسبة إلى المجتمع من حولها؟ هذه ليست أسئلة فلسفية، بل هناك نقاش محتدم عن الكيفية ومن ثم الآلية التي ينبغي أن تقاس بها ”ربحية“ الشركات.

وإذا تجاوزنا هذه النقطة بما يتيح المجال لتناول النجاح الاقتصادي لا تجلبه بالضرورة الشركات الضخمة، ولا سيما أن أحد مستهدفات ”رؤية 2030“ هو التحول إلى اقتصاد متنوع لا يقوم فقط على جهود شركات لمجرد أنها ”عملاقة“، إن لم تولد محتوى محليا يحدث فارقا، إذ إن هذا هو المقصود بالتحول من اقتصاد الريع إلى اقتصاد الإنتاج. ما لدينا من منشآت عملاقة وكبيرة تقوم إجمالا على استغلال ميزة نسبية ”مواد خام، عوائق دخول المنافسين للسوق من خلال امتياز احتكاري“.



وعلى الرغم من أهمية التنقيب واستخراج وتسويق النفط وصناعة البتروكيماويات السلعية، إلا أن حتى المنشآت السعودية العملاقة والكبيرة تدرك أن مستقبلها يكمن في الارتقاء بميزتها التنافسية من خلال الإبداع والاختراع والتطوير، ولذا نجد أن شركتي أرامكو وسابك تتجهان إلى تحقيق ذلك باتباع أساليب غير مطروقة من قبلهما معا من قبل، وهي تحويل النفط الخام إلى كيماويات. لماذا؟ لتوليد مزيد من القيمة؟ ومثال آخر أن شركة الكهرباء، تسعى إلى شراء الطاقة من صغار المولدين، كالمنازل مثلا. لماذا تشتري الشركة العملاقة كيلوواطات قليلة من بيوت هنا وهناك؟ لرفع كفاءة أداء الشبكة. الرابط بين المثالين هو أن الشركات الكبيرة تبحث عن الاستدامة، واستدامتها تكمن في الحفاظ على ربحيتها، وربحيتها رهن بأن تبز المنافسين، والمنافسة سرها أن تنتج بتكلفة أقل فتقود سعريا، أو تتفرد فيما تنتج جودة ونوعا.

إذا، هناك ما يبرر القول إن المطلوب هو الإبداع والاختراع والتطوير فهي لقيم القدرة التنافسية وليس حجم المنشأة. وليس أدل على ذلك من أن منشآت عملاقة ذوت وتلاشت، وعلى النقيض تعملقت أخرى رغم أنها بالغة الصغر ”ولدت في كراجات“. والأمثلة هنا أكثر من أن تعد، وقد تكفي الإشارة إلى التناقض المعيش في أوضاع شركتين، ”جنرال إلكتريك“ العملاقة وما تعانيه من سقوط رأسي لم يحصنها حجمها منه، فقد كانت أثمن شركة قبل نحو عقدين من الآن، وفي المقابل نجد شركات صغيرة ولدت قبل أقل من عقدين تتربع حاليا كجواهر التاج في عالم المال والأعمال. وهكذا، لننجح اقتصاديا، وتعريف النجاح هنا هو أن نحقق مستهدفات «رؤية 2030»، فنحن بحاجة إلى الإبداع والاختراع والتطوير، بغض النظر عن حجم المنشآت. وأختتم بقصة نجاح لشركة سعودية نجحت وكبرت، رغم أنها في مجال مغرق في التقليدية وهو الأكل، انطلقت في تقديم البيتزا قبل خمسة أعوام، واليوم لديها أكثر من 140 فرعا، والسبب أنها أبدعت واخترعت وطورت فأصبحت كبيرة!

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى