آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 2:44 م

التطور.. المجتمع

محمد أحمد التاروتي *

تقاس المجتمعات بمدى قدرتها على التفاعل الإيجابي مع المتغيرات، سواء الثقافية او العلمية او التكنولوجية، فالجمود يعطل الحركة الاجتماعية، ويطفيء شمعة التفاؤل في النفوس، لاسيما وان إدارة الظهر للتحولات العالمية لا يحمي المجتمع، بقدر ما يمهد الطريق للتآكل الداخلي، نظرا لتراجع مستوى المناعة لديها جراء غياب القدرة، على التعاطي مع المتغيرات بالشكل الملائم، مما يسهم في فقدان القدرة على التوازن الداخلي والخارجي.

اختلال التوازن الداخلي والخارجي تجاه المتغيرات، مرتبط بالفشل في الاستجابة السريعة مع التحولات، والعمل على اغلاق العقول امام الثورة الكبيرة على المستوى الخارجي، مما يجعل عملية التطور بطيئة أحيانا، ومستحيلة أحيانا أخرى، لاسيما وان الحلول الترقيعية ليست قادرة على سد الفجوة الحاصلة، في ميزان التوازن الداخلي والخارجي، الامر الذي ينعكس على صورة انهزامية تامة، تجاه المجريات الخارجية.

الخوف غير المبرر من اثار المتغيرات الخارجية، لا يلغي القدرة على الاختراق بطريقة، او باخرى، مما يستدعي محاولة توظيف تلك المتغيرات بالطريقة المناسبة، عوضا من الوقوف امامها بطريقة عشوائية، خصوصا وان امتلاك الأدوات القادرة على تطويعها، يسهم في تحويلها من الحالة السلبية الى العنصر الإيجابي، الامر الذي ينعكس بشكل مباشر على البيئة الاجتماعية، وبالتالي فان الموقف المعتدل والمتوازن يعطي النتائج الإيجابية، ويمنع وصول تلك المتغيرات بطريقة مشوهة، وغير مفيدة.

الفشل في تطويع المتغيرات يفتح الطريق امام المتغيرات، للانخراط بقوة في التفكير الجمعي للمجتمع، لاسيما وان التحولات تحظى بمباركة تيار اجتماعي سواء كانت كبيرا او صغيرا، وبالتالي فان غياب الحلول المناسبة يمنح الفرصة امام الفريق المناسب، للانطلاق بقوة للتبشير وإضفاء حالة من الابهار لأهمية التحولات، باعتبارها ”المنقذ“، والسبيل الوحيد للخلاص من سطوة التقاليد الاجتماعية ”المتخلفة“، بمعنى اخر، فان التصرف الحكيم يتطلب وضع الأمور تحت السيطرة، بواسطة انتهاج سياسة الدراسة المتأنية، عوضا من اتخاذ المواقف المتشنجة، والمتسرعة تجاه مختلف التحولات الاجتماعية.

وجود عناصر قادرة على اختيار الغث من السمين، يشكل حالة إيجابية في توجيه البيئة الاجتماعية، نحو المسار الصحيح عوضا من التخبط والضياع وسط الشعارات البراقة، خصوصا وان تلك العناصر تمتلك الأدوات اللازمة لقراءة التحولات، بالشكل السليم بعيدا عن التهويل او الترغيب، الامر الذي يسهم في وضع الأمور في النصاب الصحيح، والتحرك بوعي لممارسة الدور المطلوب، وفق المتطلبات الراهنة بعيدا عن الضغوط، التي تمارسها بعض الأطراف غير الواعية، لاسيما وان التحولات الكبيرة تواجه بمواقف معارضة من لدن اطراف اجتماعية، وتحظى بمباركة اطراف أخرى، باعتبارها الوسيلة لنفض غبار التقاليد الاجتماعية البالية.

القاعدة الاجتماعية المساندة لاصحاب الرؤية المتوازنة للتحولات الكبرى، تسهم في إيجاد الأرضية المناسبة للتفاعل الإيجابي المطلوب، لاسيما وان البيئة الاجتماعية المتفاعلة مع التحركات الواعية، تحدث الفرق خلال فترة بسيطة، بخلاف المجتمع الذي ينطلق من الدوافع العاطفية، او يتعامل بحالة مزاجية مع التحولات الاجتماعية، فانه غير قادرة على توظيف تلك التحولات بالطريقة المطلوبة، مما ينعكس على حالة الضياع والتخبط بشكل عام، الامر الذي يعطل الخطط المرسومة، لاحداث قفزات في بنية التفكير الجمعي بشكل عام.

حالة الانبهار غير الواعية، وكذلك الرفض غير المدروس، موقفان متطرفان لا يساعدان على امتصاص التحولات الاجتماعية الكبيرة، فالاول يتخذ موقفا بعيدا عن التفكير العقلي، فهو ينطلق من حالة عاطفية، لا تخدم بقدر ما تكرس واقعا بائسا على البيئة الاجتماعية، فيما الموقف الثاني ينطلق من المخاوف غير المبررة على الاطلاق، فهو يحاول التقوقع على الذات بعيدا عن العالم الخارجي، مما يعطل العقول من التفاعل مع المتغيرات بالطريقة المناسبة، وبالتالي فان الموقف المتوازن والبعيد عن الافراط والتفريط، يحدث حالة من الاستقرار الداخلي والخارجي.

كاتب صحفي