آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 2:48 ص

الحدائق والمقبرة

كانت درجة الحرارة صباحَ اليوم حوالي التسعَ درجات مئوية فجالَ في خاطري أن أكتبَ شيئاً عن البرد، ثم تريثتُ وفكرت: ماذا ينفع الحديث عن البرودةِ دون الحديثِ عن الدفء والحرارة؟ وهل لزاماً أن نكتب ونفكر في النواقصِ والخطايا لنعرفَ مزايا أضدادها؟

في الحقيقةِ فكرت عدةَ مراتٍ أن أكتبَ عن التعاسة والبؤس والعداوة ولكنني توقفت فجأةً لأكتبَ عن السعادةِ والبهجة والصداقة، فليس من واجبنا أن نجعلَ صفات الجَمال تبدو غرابيب سوداً. فكلما فكرتَ في الحربِ اكتبت عن السلام، وكلما فكرتَ في الظلم اكتب عن جمالِ العدل، وكلما رغبت في الكتابةِ عن الغربة والهجرة اكتب عن الوطن، وهكذا نجد لكلِّ سالبٍ موجباً وضدَّا.

التفكير والكتابة في النواقصِ يشبه من يزور مريضاً ويجلس معه يريد أن يسليهِ من مرضه، فيصف له تعبَ الحياة ومراحلَ الموت وأهوال النار، بدلاً من أن يصفَ له الحياة وجمالها. ما كان سوف يكون! وليس لنا إلاَّ أن نكونَ أدواتٍ فاعلة في كينونةِ وصيرورةِ الخير دونَ الشر وتصويره في أبهى الحلل، وفتحَ نوافذ وأبوابَ أملٍ في الحياة لعلَّ شخصاً ما يمر من تلك النافذة نحو الساعة الأفضل ثم اليوم الأفضل!

وقعَ بين الأعمش وزوجته وحشة فسأل بعضَ أصحابه من الفقهاء أن يرضيها ويصلح ما بينهما. فدخل إليها وقال: إن أبا محمد شيخ كبير فلا يزهدنكِ فيه عمش عينيه، ودقة ساقيه، وضعف ركبتيه، وجمود كفيه. فقال له الأعمش: قبحك الله، فقد أريتها من عيوبي ما لم تكن تعرفه.

هي الدنيا بلد كبير يضم البشرَ كلهم، في البلد مقبرةٌ واحدة وحدائق عدة. لا يفتأ ساكنوها أن يتحدثوا عن جمالِ المقبرةِ الواحدة وما فيها من رفاتٍ وآثار ويسكتونَ عما فيها من حدائقَ عدة تحوي أنواعَ الثمار وأصنافَ الورد والزهور!

نافذة الأمل لا تعني أن الخبزَ يأتي دون جهد ولا تعني أن العجزَ والكسل يصنع المجد، بل كل ما تعنيه أننا عندما نقوم ونعمل يأتي الخبز ويأتي المجد. ولا يحسن أن تطغى في حياتنا مفرداتُ الشدة واليأس على اللين والرحمة فلم يزد في القرآن لفظ النار على الجنة ولا الموت على الحياة.

مستشار أعلى هندسة بترول