آخر تحديث: 18 / 4 / 2024م - 12:10 م

سيدات القمر والترجمة

بسام المسلمي *

بعد فوز الروائيّ المصريّ نجيب محفوظ «1911 - 2006» بجائزة نوبل للآداب سنة 1988 عن روايته ”أولاد حارتنا“، توجهت أنظار الدول الأجنبية وخاصة الغربية إلى الروايات العربية وازداد الطلب عليها. ونتيجة لذلك؛ أصبحت الحاجة إلى ترجمة أعمال نجيب محفوظ وغيره من الروائيين والأدباء العرب ملحة. فاشتعلت حركة الترجمة من العربية إلى اللغات العالمية لتطال أعمالًا أدبية عربية عديدة بعد أن كانت مقتصرة على بعض الكتب العربية كألف ليلة وليلة وتفسير القرآن الكريم. ثم استمرت حركة الترجمة في تواتر لتشمل عدة روايات عربية كان من بينها ”سيدات القمر“ للروائية العمانية جوخة الحارثيّ التي فازت بجائزة ”مان بوكر“ الدولية للعام 2019. وقد ناقش كثير من المهتمين أسباب فوز هذه الرواية بين مؤيد ومعارض حيث أن هناك بعض الروايات العربية التي تفوقها من حيث المقاييس الفنية والإبداعية، ولكنها لم تفز بتلك الجائزة. ومهما اختلفت أسباب فوز ”سيدات القمر“، إلا أن ترجمة الرواية إلى الإنجليزية كان حجر الأساس وبداية الطريق إلى الفوز بتلك الجائزة واشتهار تلك الرواية عالميًا. ف ”سيدات القمر“ صدرت بالعربية عام 2010، ومع ذلك فإنها لم تحض باهتمام كاف ولم تلفت أنظار المهتمين بالآداب العربية والعالمية إلا بعد أن ترجمتها إلى الإنجليزية أستاذة الأدب العربيّ في جامعة أكسفورد المترجمة الأمريكية مارلين بوث والتي ترجمت رواية ”بنات الرياض“ لرجاء الصانع «1981 -» أيضًا. وبذلك دٌفعت حركة الترجمة دفعة قوية بعد أن توسعت دائرة المهتمين والقارئين للأدب العربيّ المترجم لتتخطى الدوائر الأكاديمية.

وفيما يخص الرواية السعودية، فقد ذكرت الدكتورة نورة القحطاني بأن عبدالرحمن منيف «1933 - 2004» كان أول روائيّ سعوديّ تُرجمت رواياته إلى بعض اللغات الأجنبية.

وبسبب أحداث 11/ سبتمبر وُلِد الفضول لدى العالم كله لمعرفة طبيعة الحياة السعودية، ولذا فقد ازداد الإقبال وربما الحاجة أيضا إلى ترجمة الروايات السعودية خاصة تلك التي تحكي أوضاع الحياة السعوديّة، فتُرجمت بعض روايات تركي الحمد «1952 -» إلى الإنجليزية مثلًا. ثم نما ذلك الفضول وتشعب ليشمل مزيدًا من نواحي الحياة السعودية كوضع المرأة في المجتمع السعودي والكتابات النسائية فترجمت رواية ”بنات الرياض“ إلى لغات أجنبية عديدة. وما عدا رواية ”بنات الرياض“ لرجاء الصانع والتي تُرجمت إلى 40 لغة أجنبية، لأسباب لست في صددها، والتي لم تتخطاها أية رواية عربية في هذا الأمر على حد علمي، فإن باقي الروايات السعودية لم تنل نصيبًا كبيرًا من الترجمة. وحتى روايتي ”ترمي بشرر“ لعبده خال «1962 -» والتي فازت بجائزة الرواية العربية ”البوكر“ عام 2010، و”طوق الحمام“ لرجاء عالم «1956 -» والتي فازت بالجائزة نفسها عام 2011 لم تترجما إلا إلى لغتين للأولى وخمس لغات للأخرى «الرواية السعودية في الصحافة الغربية: الترجمة والتلقي «1 - 2»، صحيفة الجزيرة السعودية، السبت 17 فبراير 2018». ولا يزال الشره والحاجة لترجمة الروايات السعودية في ازدياد خاصة بعد أن أخذت بعض النواحي الاجتماعية للمجتمع السعودي في تغيير ملامحها كوضع المرأة وحقوقها مثل قيادة السيارة والعمل في الأماكن العامة المشتركة وغير ذلك.

فالترجمة لعبت، ولاتزال، دورًا كبيرًا في تحويل البوصلة إلى اتجاه الأدب العربيّ عامة والروائيّ منه بشكل خاص. وقد صدق سقراط حينما قال لأحد تلاميذه، ”تكلم حتى أراك.“ فنحن دون ترجمة أعمالنا الأدبية إلى اللغات العالمية، لن ينظر إلينا، وإن كان سينظر إلى نفطنا وجيوبنا، أو يرانا أو يسمعنا أحد لأن لغتنا لا تزال، للأسف الشديد، ليست مقروءةً وليست مفهومةً للكثيرين. ولعلك ستُدهش مثلي عندما تعلم بأن الكتاب المقدس قد تُرجم كاملًا إلى 698 لغة وتُرجمت أجزاء متفرقة منه إلى 3385 لغة مقارنة بالقرآن الذي تُرجم كاملًا إلى 49 لغة وتُرجمت أجزاء متفرقة منه إلى 114 لغة فقط. وخلال هذا الأسبوع ستمر بنا الذكرى السبعون لرحيل جورج أورويل «1903 - 1950» الذي ترجمت روايته ”1984“ إلى 60 لغة والتي لم تبلغ أية رواية عربية هذا الكم من الترجمات. ومن هذا كله نخلص إلى أن الحاجة إلى ترجمة الكتب العربية وخاصة الأدبية والأعمال الأبداعية إلى اللغات العالمية الأخرى ماسة جدًا متى ما أردنا أن يرانا ويسمعنا العالم. ولابد أن ننتهز فرصة انجذاب العالم غير العربي بشكل عام والغربي بشكل خاص، للأسباب التي أشرت إليها، إلى الإنتاج العربي وخاصة الأدبي منه وبشكل أخص العمل الروائيّ مستعينين بالكوادر والأقلام العربية والسعودية التي عادت مؤخرًا من دول الغرب والتي تجيد لغات تلك الدول. فالترجمة، إلى الآن على الأقل، هي صوتنا المسموع ولغتنا المفهومة وصورتنا المرئية للعالم.