آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 4:24 م

الاستدامة.. المجتمع

محمد أحمد التاروتي *

تقاس المجتمعات بقدرتها على بعث الحياة، في مختلف مفاصل الشرائح الاجتماعية، خصوصا وان مقياس حياة الشعوب ليس بعدد السنوات، وانما بحجم إنجازاتها على الصعيد الفردي والجمعي في الوقت نفسه، وبالتالي فان المجتمعات التي تتغافل عن وضع البرامج القادرة، على تحريك العقول باتجاه الاستدامة، عوضا من تكريس الواقع البائس، الامر الذي يفسر الفروقات الكبيرة بين المجتمعات البشرية، فهناك مجتمعات لا تكاد ترى بالعين المجردة، بالرغم من اعدادها الكبيرة، فيما تسلط الأضواء على مجتمعات أخرى، بالرغم من انخفاض عدد سكانها، فالفرق يكمن في نوعية البرامج التي تقدمها للبشرية، مما يجعلها قادرة على الحياة لسنوات طويلة، فيما الأخرى معرضة للانقراض.

حياة المجتمع قائمة على معايير، بعضها مرتبط بنوعية التفكير الذاتي، والبعض الاخر مرهون بطبيعة التحركات الجمعية، فالفرد بما يملك من قدرات هائلة وإمكانيات كبيرة، باستطاعته وضع الأمور في المسارات السليمة، وبالتالي فانه قادر على الدفع باتجاه حياة المجتمع، في العديد من المجالات العلمية والثقافية، خصوصا وان الإنجازات الفردية لا تسجل للأشخاص فقط، وانما تشمل كذلك المجتمع، مما يخلق علاقة إيجابية بين الفرد والبيئة الاجتماعية، فالمجتمع الذي يقدر الكفاءات القادرة على تحقيق العديد من الإنجازات، فيما تكون العلاقة جافة مع الافراد غير المنتجين، سواء على الصعيد الشخصي او الاجتماعي.

التفكير الجمعي يشكل احد المحفزات في تحريك الافراد، باتجاه صنع الفروقات في المجتمع، خصوصا وان المحفزات التي يقدمها المجتمع، تساعد البحث عن الإنجازات ذات الأثر الإيجابي، فالتعامل الفاتر مع الكفاءات على اختلافها يعطي نتائج سلبية، الامر الذي ينعكس على الحركة الجمعية، ويضعف العمل الهادف الى تكريس الاستدامة، في المجالات العلمية والابتكارية والثقافية، وبالتالي احداث شرخ كبير في جدار العلاقة القائمة بين الطرفين، بينما يمثل الاحتضان الكبير للكفاءات يعكس مستوى الوعي لدى البيئة الاجتماعية، بخصوص الاليات المثلى للاستفادة من تلك الكفاءات، بما يعود على الوسط الاجتماعي بالفائدة الكبرى، وعلى أصحابها بعلو الشأن والتقدير اللازم.

محاولة إيجاد حالة من التوازن الواعي، بأهمية تكريس الحياة في المجتمع، يتطلب الكثير من الجهد والمزيد من العمل، خصوصا وان السيطرة على التوجهات العامة ليست سهلة، وانما بحاجة الى تصميم العديد من المناهج والبرامج، وبالتالي فان الرغبة في استمرارية الحياة في اركان المجتمع ليست كافية، فالعملية تستلزم تحريك النفوس، باتجاه تحقيق تلك الأهداف المرسومة، لاسيما وان الاعتماد على المبادرات الفردية او الاستعانة بجهود الاخرين، لا يخدم مختلف الشرائح الاجتماعية، سواء على المدى القريب او البعيد.

التركيز على تطوير البرامج التعليمية، يمثل احد المحفزات في تحريك العقول، نحو صناعة الحياة في المجتمع، فالعقول الجاهلة ليست قادرة على العطاء، وانما تشكل عبئا كبيرا على الجميع، بحيث تبقى بعيدة عن الأضواء، وليست قادرة على البروز، او مقارعة المجتمعات النابضة بالحياة، بمعنى اخر، فان تطوير التعليم بما يتوافق مع متطلبات ومستجدات العصر، يساعد على رسم صورة ناصعة للمجتمع، الامر الذي يفسر الاهتمام الكبير لدى المجتمعات ”الحية“ بالتعليم على الدوام، من خلال رصد الموازنة الضخمة لتكريس طلب العلم في الأجيال على اختلافها، باعتبارهم الامل الكبير في حمل مشعل ”الحياة“ للمجتمع في المرحلة القادمة.

الاستفادة من المراكز البحثية يساعد في تكريس ”الحياة“ بالمجتمع، فهذه المراكز تمثل الخزان الاستراتيجي سواء على المدى القريب او البعيد، مما يستدعي توجيه الكفاءات باتجاه تلك المراكز للاستفادة منها، في عملية الابتكار، ووضع المجتمع في مسار المجتمعات الحية، اذ تقوم العديد من المجتمعات الحية بضخ الموارد المالية الضخمة، لهذه النوعية من المراكز البحثية، وبالتالي فان البحث عن الحياة لدى المجتمع يتطلب العمل على توفير المناخات المناسبة، لتكون بيئات جاذبة لتكريس مفهوم ”الحياة“، عوضا من اعتماد الاليات الطاردة للعناصر الكفوءة.

كاتب صحفي