آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:33 ص

عشرون سنتيمتراً!

عشرونَ سنتيمتراً فقط هو سمك الحائط الذي يفصل بين خارجِ المسجد وداخله، ولكن تلك المسافة في الواقعِ العملي لا يمكن قياسها إلا بالإجابة عن السؤال التالي: هل الإنسان في خارج المسجد هو الإنسان في داخله؟

لم أر مسجداً ليس على أبوابه إرشادات النظافة والالتزام بالأخلاق حتى أصبحت الإرشاداتُ في ذاتها وسيلةَ تلوث لا يعتني بها من يدخل أو يخرج. ولولا خوف الناس ”المؤقت“ من العقاب لم يكن المسجد يعني لهم سوى مكانٍ مسور يجتمع المسلمونَ فيه لأداءِ واجبٍ هم ملزمون به ثم يتفرقون! تلك المسافات القصيرة بين الداخل والخارج قد تكون في الواقع محيطاتٌ تفصل بين العقائد والمعاملات، ومحيطاتٌ تفصل بين القولِ والفعل، وبين التقدم والتخلف.

خارج العشرين سنتيمتراً ترى من يسرع في مشيته يخاف أن تفوته ركعة من صلاةِ الجماعة، فليس إذاً أفضل وأقرب مكان لرمي كومة الأوراق التي نظف بها وجهه ويديه إلا قبل تلك المسافة، حتماً سوف يتطوع آخر ليكسبَ أجراً في تنظيف تلك القذارة! خارج السور لا يهم كيف هو جمال وروعة المنظر، المهم هو أن نصطف صفاً واحداً تحاذي قدمي قدم من هو عن يميني ومن هو عن يساري!

الأوضح من ذلك هو الباب الذي يفصل بين داخل منازلنا وبين الشارع وبين داخل سياراتنا والشارع، ليس المهم أن يكون الشارع  نظيفاً، ولكن المكان الذي نحن فيه لابد أن يكون حضارياً ولائقاً بثقافتنا وحضارتنا!! من منا لا يرى كل يوم أحداً يرمي شيئاً ما من مخلفاته في الشارع؟

تكتمل إنسانيتنا ويكتمل ديننا عندما نقرن اعتقادنا بأفعالنا أن الملكين الحارسين عن اليمين وعن الشمال أنهما موجودان قبل تلك المسافة وبعدها، وإلا يبقى ذلك التكامل ادعاء محض، قولٌ لا يصدقه الفعل. كم هو جميل أن يحرس الملكان شيئاً ذا قيمة في الروحِ والجسد أينما حل وارتحل؟ وكم هو جميلٌ أن تكونَ العبادات والمعاملات كتاباً واحد اسمه ”الإنسان“، فلا نغش ولا نكذب وننظم أمورنا خارج تلك الأسوار.

هل هي أضغاثُ أحلام أن تختفي تلك المسافة القصيرة من مجتمعاتنا كما اختفت منذ زمنٍ بعيد عند غيرنا؟ هل هي صفة سيئة تحتاج إلى قوانين جيدة؟ ربما لا هذا ولا ذاك، بل كل ما نحتاجه هو أن نعلم أطفالنا مع سنواتِ الحليب أن لا مسافة بين العبادة والأخلاق، فقبل أن أعلم ولدي كيف يصلي وكيف يصوم وماهو العقاب المترتب عليه، كان لزاماً عليَّ أن أعلمه كيف يكون إنساناً، فمتى ما صنعتُ إنساناً يسهل بعده تعليمه كلَّ فضيلة.

مستشار أعلى هندسة بترول