آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 2:48 ص

صحوة ضمير

سوزان آل حمود *

بعد مضي أيام قلائل من وفاة زوجته، تحطم نفسيا ولم يعهد نفسه هكذا وذهب باحثا عن طبيب نفسي وبعدما وجده قال له:

لم يكن السرطان من قتلها بل كنت أنا! أشعر بشيء في داخلي يتحطم.. الصوت يزداد.. كل يوم.. لقد زاد أكثر.. أيعقل أن يكون ضميري!

كم ظلمتها معي ولم أشعر بالنعمة التي كنت امتلكها، تجاهلي لها واهمالي ولا مبالاتي.... كم أنا افتقد الإنسانية.

كان يجب عليّ أن أنتبه لكل ماتقوم به فذاك اليوم عندما كانت تطلي أظفارها وأًن أعبر لها عن جمال تسريحة شعرها، عن رائحتها التي تثبت لي أنها ترعرعت بين زهور الياسمين.

كان يجب عليّ اخبارها قبل النّوم أنًي أحبها وبعد الإستيقاظ أنًي أحبها وما بينهما أني أحبها كان يجب علي أن أعترف بغلطتي عندما تصورت أنني أحببت غيرها وجريت وراها كالبهيم المجنون وحرقت قلبها بالزواج بغيرها، وكان علي أنً أهتم أكثر بأولادي وبيتي، ثم قالبٰ صوّت مبحوح كسره الندم: الحب يا صديقي بإمكانه أن يُدمر جسدك بنفس الطريقة التي يدمر بها السرطان خلايا الإنسان ولكن بكميات هائلة من الفوضى، لو يعلم كلّ إنسان أنه دواء لشخص ما، ما وصلنا إلى هذه الحالة القاسية... أنا يا صديقي نادم، فماذا أفعل؟!

قال الطبيب: قد تأتي للإنسان قبل النوم رغبة حقيقية في تغيير حياته.. ويقطع وعود مع نفسه بتبديل شكل حياته.. ولكن بمجرد أن يستيقظ ينسى كل شيء، وهذا مافعلته بزوجتك أحببت نفسك ورغباتك ولكن هل أنت فعلاً نادم أم إنها صحوة ضمير بسيطة ثم تتغلب عليها شهواتك وتنسى كل شيء؟

فقال: عزيزي.. ماذا يُمكنني أًنّ أَقول لك، الأمورُ لا تمضي على ما يُرام أبداً، إنني أكثر حزناً وضجراً مِما أستطيع أنّ أصفهُ لك، ولمّ أعد أعرفُ في أيّ نُقطة أنا، حتى ما عدت أعرف نفسي، أحتاج لشخص يعرف إنِّي أكابر رغم الحنان الذي بداخلي، يعرف أن قسوتي بالكلام على زوجتي الراحلة تضل مجرد كلام، أحتاج شخص يتجاهل كل اغلاطي ويعرف أنها مجرد ردة فعل. الشعور المزعج عندما تشعر أن الكلام أتفه من إن تقوله، لكنه أثقل على قلبك من أن تخفيه.

هناك سر بداخلي ما عدت قادراً على إخفائه‏ - تظاهرتُ بأن كل ما حدث لي كان عاديًا، بينما كان يؤلمني جدًا.

قال الطبيب: أعلم أن هذا الوقت سيمر لكنه يمر بطيئاً يمر بكامل ثقله على قلبك ويسرق من أيامك الكثير.

وضع رأسه بين ركبتيه وقال: هل يمكن عمل شيء لأني:

أَحتَاجُ إِلَى البُكَاءِ اللَّيلَة، وَالاِختِبَاءَ تَحتَ الأَغْطِيَة كَمَا اِعتَدتُ، وَالضّغطَ عَلَى وَسَادَتِي، وَتمْزيقِ نَفْسِي.

وضع الطبيب يده على كتفه وربت عليه وقال: عليك أن تكون قويا وتواجه نفسك فهذا ماجنته يداك ولقد فات الأوان ورحلت زوجتك للرفيق الأعلى والله يتولاك برحمته.

فقال: ماذا تقول يا طبيب؟! ‏لم يعُد لدي الرغبة في وصف ما بداخلي لأحد.. اعتقدت أنك نجاتي وإذا بي أجدك غير ذلك، أنا حزين وما اخفى عليك حزني وها أنا أتذكر صمتها ‏لاأعتقد أن السكوت دائماً علامة رضا، فأحيانًا يكونُ علامةَ تعب، علامة حفاظ، علامة صبر، أو أنه علامة على اليأس في الاصلاح، ذرفت الدموع من عيناه وقال:

يا لهذه الذاكرة التي تعاند وتحتفظ بكُل شيء وترفض أن تتنازل عن التفاصيل.

قال الطبيب: لا توجد قوة على وجه الأرض تستطيع إنقاذ الإنسان، لطالما عجز عن إنقاذ نفسه.

رفع عينه نحو السقف وقال: سيبقى في داخلي شيءٌ مِن هذا الضياع لِلأبد، شيءٌ ما لنّ يعودَ أبداً، سيبقى في داخِلي شيءٌ مبتور. وادار رأسه نحو الطبيب وقال: لم أتصنع أياً من الكلمات التي كنت أسردها لك خرجت من فمي بشكل عفوي كما شعرت بها.

أمسكه الطبيب وساعده على النهوض ومشي معه إلى أن وصل باب الغرفة وقال له: ستطيب لنا الدنيا يومًا وننسى مرها. صحبتك السلامة!

ضل واقفا بجوار غرفة الطبيب وقال في نفسه لست سيئاً كما أخبر عني، إنها فقط بقايا الحرائق تغطي على القلب من الداخل، كانت لمسة من الود كافية بإزاحة ذاك الركام عني.

‏كيف سأهرب منكِ؟

وأنتِ تحاصرين الوقت وتقفين على كل أبواب التاريخ

كيف سأجد منفذًا لا تحرسيه؟

وأنتِ مجسّدَةٌ في كل مكان

كيف سأغيّر وجهتي يا سيدتي؟

وأنتِ موزعةٌ على كل الطرقات

ولن أستطع الحياة بدونكِ

أنا بحاجة إلى إمدادات لا مُتناهية من الطمأنينة.

اعتدل منتصبا ومضى في طريقه خارجا من العيادة إلى منزله وهو يحدث نفسه:

من سيصدق الخراب الذي بداخلك وأنت تبتسم طوال اليوم...!.

اليوم كان مختلف لأني دخلت لغرفة زوجتي الراحلة..

شعرت بالغربة.. بالوحدة

شيء ما انكسر في داخلي كلما تذكرت جلوسها على السرير وأمام مرآتها تسرح شعرها ونظرتها لي..

لم يكن الأمر بالسهل لم اتمالك نفسي وانهمرت دموعي وكأنها نهر جاري.. لم يسألني الكثير عن سبب حزني.. لأني كنت اداريه بالابتسامات والضحكات المزيفه.

تبسمت إلى أن تشنجت أعصاب فمي.. لا أدري بماذا كنت أشعر بالضبط! ولكن ثمة أحداث مرعبة تحدث معي..

كصمتي الطويل وانصاتي للآخرين دون ان اقاطع حديثهم!

على العموم مرت الأيام وأنا أحاول خلق أجواء تنسيني الماضي..

أنا أحاول الهرب من الذكريات ولكن كانت تباغتني في كل وقت.. وفي كل زاويه، كأنها تخبرني أنني هنا... يكفي ضحكا.. كفاك ثرثرة..

أصبحت أقضي وقتي بالنوم هرباً من ذكرياتي البائسة، ماعدت اكترث لابنائي، تركت لحيتي منسدلة أهملت هندامي ماعاد لأي شيء طعم عندي عدا ألم ضميري كيف اروضه؟ والأحلام التي توقظني وكلها تعطي مدلول على أني ظالم لعين بائس تسببت في موت إنسانة هي نسمة كالهواء لا أعلم ماحل بي حتى فعلت بها مافعلت أشياء أخجل من ذكرها بيني وبين نفسي فوا اسفاه كيف لي أن ألقى الله وأنا بهذا الخزي والعار؟

انفض من حوله الاصدقاء حتى من ضحى بزوجته لأجلها فقد ظهر وجهها الآخر لم تحتمل حزنه وبؤسه فأخذت أولادها وغادرت المنزل تاركة زوجها للعذاب وتأنيب الضمير، والمضي قدما في حياتها غير مبالية به فلقد أخذت ماتريد.

أخيرا عرف نتيجة فعله الشنيع ولكن بعد فوات الأوان. للأسف صحوة ضميره جاءت متأخرة جدا فما عساه أن يحيا حياته الباقية!

يقول لنفسه: ‏أنا مختلف عن السابق، وغداً سأكون مختلفاً عن اليوم، لكنه لم يفعل شيئا سوى لوم نفسه وتذكر الماضي في انتظار أمر الله ليلحق بزوجته لعله يجد الراحة التي يتمناها.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
أبو علي
[ القطيف ]: 5 / 2 / 2020م - 12:45 م
مقالة جيدة و لكنها طويلة جداً جداً و كان بالإمكان اختصارها أو تجزئتها في حلقات قصيرة.

الوقت الآن لم يعد متوفراً بشكل كافٍ لمتابعة القراءة للمقالات الطويلة.