آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:33 ص

التقدير.. المجتمع

محمد أحمد التاروتي *

إرساء قواعد التقدير يتطلب وجود ثقافة داعمة، لهذا السلوك الأخلاقي، فالعملية تستدعي رعاية هذه الممارسة الأخلاقية، لدى الأجيال المتعاقبة، بحيث تصبح جزء من الثقافة اليومية، لدى الجيل الجديد تجاه الأجيال السابقة، ”ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا“، وبالتالي فان التوقير يتطلب وضع قواعد أخلاقية، تسهم في صناعة ثقافة قادرة على احداث تغييرات حقيقية، في النظرة تجاه الأجيال، بخصوص الخدمات التي قدمتها للمجتمع، لاسيما وان تجاهل تلك الاعمال الكبيرة لا يخدم، بقدر ما يؤسس لحالة نكران، مما يمثل نكوصا للخلف، وعدم احترام للأجيال بذلت الغالي والنفيس، في سبيل الارتقاء بالمسيرة الاجتماعية، في مختلف المجالات الحياتية.

التقدير يدخل في جميع تفاصيل الحياة، ولا يقتصر على بضع كلمات تتردد على الالسن، ”هل جزاء الاحسان الا الاحسان“، وبالتالي فان الممارسات العملية تلعب دورا كبيرا في النفوس، ”جبلت القلوب على حب من احسن اليها“، فكما ان الكلمة الطيبة تقرب القلوب، وتزيل الشحناء من النفوس، فان الممارسات العملية تساعد في احداث اثار كبيرة في المعاملات الإنسانية، خصوصا وان المرء لا ينتظر من الاخرين المال، تجاه الاعمال التي قدمتها في سبيل المجتمع، مما يتطلب وجود اليات قادرة على خلق تيار اجتماعي، يتناغم مع الخدمات الجليلة التي قدمتها الأجيال السابقة، في مختلف المجالات، لاسيما وان الظروف الحياتية الصعبة التي كابدتها تلك الأجيال، ساهمت في ابراز أجيال ذات إرادة صلبة، وطموحات كبيرة، الامر الذي انعكس في نوعية الإنجازات، التي أنجزت خلال الفترة السابقة.

ثقافة التقدير تتطلب أرضية لنموها، بشكل السليم لدى الأجيال اللاحقة، خصوصا وان هذه النوعية من الثقافة تمارس بشكل عملي على ارض الواقع، مما يسهم في انتقالها من جيل لاخر، فالمجتمع الذي يعطي مساحة واسعة، من الاحترام والتقدير للأجيال السابقة، يبنى قواعد أخلاقية راسخة لدى مختلف الأجيال، وبالتالي فان محاولة الالتصاق بالاجيال السابقة، يثري التجربة الاجتماعية، ويمنح الأجيال اللاحقة عصارة التجربة الحياتية، الامر الذي ينعكس على المسيرة الاجتماعية، وتجاوز الكثير من المطبات الحياتية، من خلال الاستفادة من التجارب السابقة، في إرساء الكثير من الممارسات، في البيئة الاجتماعية.

التربية الاسرية تلعب دورا حيويا، في عملية تعميق ثقافة التقدير في المجتمع، فالاسرة تمثل النواة الأولى، لابداء التوقير والاحترام تجاه الكبار، بحيث تظهر على شكل ممارسات عملية، في الفضاء الخارجي، فالاسرة التي تكرس هذه الاخلاقيات في الأجيال الناشئة، تشكل ركنا أساسيا، في تحريك المجتمع نحو الجادة الصائبة، وبالتالي فان التربية السليمة بمثابة المفتاح، لاشاعة ثقافة التقدير في البيئة الاجتماعية، خصوصا وان الاسرة الصالحة تزرع البذرة السليمة، في النفوس تجاه الكبار، ومحاولة اظهار الاحترام في السلوك الخارجي، الامر الذي يتمثل في الاجلال والتقدير، في المجالس الخاصة والعامة.

غياب التقدير، والاحترام للأجيال السابقة، ينعكس على مستقبل الأجيال القادمة، حيث ستلاقي تلك الأجيال ذات المصير ”الأسود“، ”كما تدين تدان“، فالافتقار للسلوك الأخلاقي يورث مزيدا، من الانحطاط في الممارسات اليومية، بحيث تظهر على اشكال متعددة، بعضها يبرز بشكل واضح في إدارة الظهر للأجيال السابقة، والبعض الاخر يتمثل في انتهاج سلوكيات مرفوضة، وبالتالي فان البيئة الاجتماعية ”الجاحدة“ غير قادرة، على الصمود في وجه التآكل الداخلي، نظرا للافتقار للاسس الأخلاقية القوية، لمواجهة التيارات الجارفة، في مختلف المجالات.

المجتمع القادر على احتضان الأجيال السابقة، يرسم خارطة طريق لمستقبله القادم، فالبيئة الاجتماعية السليمة ستواجه التحديات، بعزيمة كبيرة، وتجارب كثيرة، نظرا لامتلاك رصيد كبير من القيم الأخلاقية، من خلال وضع الأجيال السابقة في المكان المناسب، فيما ستكون التداعيات خطيرة بمجرد إدارة الظهر، لتجارب الكبار في مواجهة الصعاب، والعراقيل الحياتية، خصوصا وان الأجيال الكبيرة تمتلك رصيدا وافرا من التجارب، مما يمكنها من تحديد المسارات السليمة، وتجنب الوقوع في الأخطاء السابقة، ”السعيد من اتعظ بتجارب غيره“.

كاتب صحفي