آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 1:42 ص

الغموض.. الوضوح

محمد أحمد التاروتي *

يتخذ البعض الغموض شعارا في جميع ممارساته الحياتية، بحيث يصعب التعرف على خطوته القادمة، مما يجعله صاحب قراره في جميع الأوقات، ”احفظ ذهابك وذهبك ومذهبك“، خصوصا وان البوح بتحركاته يفقده القدرة على العمل بحرية، بعيدا عن الضغوط الداخلية والخارجية، وبالتالي فان استخدام الغموض بمثابة السلاح الأكثر قدرة، على تحقيق المزيد من النجاحات، في مختلف الاعمال الخارجية.

الامعان في الغموض ليس حلا مناسبا، لتسجيل النقاط على حساب الطرف الاخر، فهناك الكثير من الاعمال تتطلب المزيد من التعاون، والكثير من التخطيط، والعمل الجاد، مما يفرض الاستعانة بالاخرين للوصول الى النتائج المرجوة، وبالتالي فان محاولة العيش في جزيرة معزولة، بمثابة الهروب الى الامام، خصوصا وان ”اليد الواحدة لا تصفق“، مما يستدعي تحريك مبدأ التعاون بالاتجاه الإيجابي، لاسيما وان البعض يحاول الهروب من المواجهة، عبر استخدام ”الغموض“ على الدوام.

مبدأ السرية في الاعمال مطلوب، ”استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان“، فالمرء مطالب بالاحتفاظ بالكثير من الأشياء، بعيدا عن السن الاخرين، خصوصا وان البعض يتلذذ بنقل الاخبار، دون التحرك الجاد للمساهمة، في إيجاد الحلول المناسبة، اذ يتخذ الموقف المتفرج على الدوام، وبالتالي فان التعامل مع هذه الشريحة خطأ فادح، ولا يسهم في اثراء العلوم المعرفية، او يقود لحالة من التصالح مع المحيط الخارجي، بمعنى اخر، فان السرية المطلوبة تتمثل في إبقاء المعلومات، ذات الأثر السلبي على الذات، او المحيط الخارجي، خصوصا وان افشال تلك المعلومات مقدمة لافشال جميع الجهود لخلق الظروف المناسبة، لتحقيق المصالح المشتركة، وبالتالي فان القدرة على احداث التوازن بين السرية وعدم الغموض، يشكل محركا أساسيا في وضع الأمور، في النصاب السليم.

الغموض القاتل يضر العديد من الشرائح الاجتماعية، خصوصا وان إبقاء تلك الحالة السلبية في الثقافة اليومية، يمهد الطريق للكثير من الممارسات الضارة، في المحيط الاجتماعي، مما يستدعي وضع ثقافة تصالحية، وليست مضادة بشكل كامل، فهناك شعرة فاصلة بين السرية والغموض على الدوام، وبالتالي فان الفشل في التعامل المسؤول مع هذه الشعرة الفاصلة، يقود الى قطعها، والدخول في المنطقة ”المحرمة“، بحيث تقود لحالة من الالتباس وعدم القدرة، على الاختيار المناسب، لمعالجة العديد من القضايا الاجتماعية، لاسيما وان الغموض لا يخدم البيئة الاجتماعية، وانما يسهم في تكريس الواقع البائس، ويقطع الطريق امام المحاولات الجادة، للبحث عن الحلول البديلة والعملية.

فيما الوضوح التام يشكل نقطة مركزية، في وضع النقاط على الحروف، فالشفافية التامة عملية مطلوبة في مختلف القضايا، فالغموض يوحي بوجود مخاوف، او نوايا ليست صادقة أحيانا، مما يستدعي انتهاج سياسة الوضوح، ورفض مختلف اشكال الالتباس والمراوغة، في جميع التعاملات الخارجية، فهناك الكثير من الممارسات اليومية تتطلب الوضوح منذ البداية، خصوصا وان التعامل الصريح، يبدد الكثير من المخاوف، ويعزز الثقة التامة، فيما تقديم جزء من الحقيقة لا يخدم الجهود الاجتماعية، نظرا للاثار السلبية على الإبقاء، بجزء من الحقيقة في الصدور، فهناك العديد من التعاملات الخارجية تستدعي الوضوح منذ البداية، والعمل بروح شفافة، لتجاوز الكثير من الأخطاء المتوقعة، جراء إخفاء بعض الحقائق، وتقديم المعلومات المغلوطة، او الملتبسة.

يبقى الغموض والوضوح آليتان اساسيتان، في التعاملات الخارجية، فالاعتماد على واحد، وتجاهل الاخر، لا يخدم على الاطلاق، وبالتالي فان استخدام الوسيلتين بطريقة ذكي، ة يكشف القدرة على احداث توازن إيجابي، خصوصا وان الظروف الاجتماعية تفرض استخدام احدى الوسائل، ولكنها لا تتغافل عن الثانية، مما يستدعي التحرك وفق قواعد مرنة، واعتماد على المعطيات الاجتماعية السائدة، لاسيما وان الجمود والإبقاء على خيارات محددة، يعطل القدرة على اكتشاف الأسلوب المناسب، ويمنع من الاستفادة من الظرف الزماني، والاجتماعي، بطريقة او باخرى.

كاتب صحفي