آخر تحديث: 18 / 4 / 2024م - 4:55 م

طبيبٌ يداوي الناسَ وهو عليلُ!

قاربَ الشتاءُ أن ينتهي ونقصت موارد العصفور. ذلك العصفور الذي يشبه الإنسان الجاحد الذي كلما أكرمته تمرد، يختفي حين يجد الأكلَ والماء في مكانٍ آخر ويعود لي عند انبلاج الصبح كلَّ يوم حينما لا يجد ما يأكل!

ولأنني كبرت وفي الكبر يرق القلبُ أكثر منه في الصبا قلت له: أنا أعرف أنك سوفَ تعود وأنا سأعود. أنت تعود لتبحث عن الأكل والماء. وأنا أعود لأسمع ما تبثه من ألحانِ الحزن في عالمٍ شقي، عالمٌ اقتتل الناسُ فيه على ما ليس تقتتل عليه أنت! أنا سأعطيك الخبزَ والحبَّ والماء ثواباً لألحانك وصوتك الجميل فهل لنا أن نتعاهد؟: ”قل أنتَ صوتاً وخذ من آهاتيَ الثاني“. أنا لم أفكر في الخيانة قط وكنتُ الخبزَ والماء وأنتَ كنتَ ألحان الحياة. إذن فلنعد إلى ما كنا عليه ونبقى في اتحاد!

عجبي كيف أنت من أجلِ الخبز وحده جئتَ ولعل في مجيئكَ موتك؟! مشكلتك أيها العصفور أنك لا تدرك أنني إنسان دائم الفكر وعندما أفكر سوف اصطادك في أَشْرَاكٍ وحبائلَ صيدٍ خفية طمعاً في جمالِ صوتك. على كل حال، تعال نُقطِّع من أشجاري قصباً وننشد لعلنا نحيا معاً:

أعطني النايَ وغنِّ فالغناء سر الخلود
وأنينُ الناي يبقى بعد أن يفنى الوجود

أيها العصفور: تعال غني حكايتي فهي حكاية الإنسان الذي يأكل وينام ويلهو فوقَ الأرض. ينظر إليك وأنت الذي تسكن الفضاء اللا محدود في كلِّ العواصم إن شئت، فأينَا أسعد؟ أيها العصفور أنا كنت صغيراً وكان لي حلمٌ كبير، كبرتُ فصار حلمي عين همي عين غمي. أنت أيها البلبل والحرية صنوان أما أنا:

ما في وجود النَّاس مِنْ شيءٍ به 
يَرضَى فؤادي أو يُسَرُّ ضميري
فإذا استمعتُ حديثَهم أَلْفَيْتُهُ 
غَثّاً، يَفِيض بِركَّة ٍ وَفُتُورِ
وإذا حَضَرْتُ جُمُوعَهُمْ ألْفَيتَنِي   
ما بينهم كالبلبلِ المأسورِ

مستشار أعلى هندسة بترول