آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:33 ص

السياحة.. المجتمع

محمد أحمد التاروتي *

تمثل السياحة موردا اقتصاديا رئيسا، لدى العديد من الدول العالمية، مما يدفعها لانتهاج سياسة مرنة، لتعظيم الموارد بشكل سنوي، بحيث لا تقتصر على سن التشريعات، واصدار الانظمة الداعمة، والمحفزة لصناعة السياحة، على الصعيد الوطني، وانما تعمد تلك الدول لتكريس ثقافة السياحة في الممارسات اليومية، والعمل على تكريسها في الاجيال، لاسيما وان السياحة ليست مرهونة بحقبة زمنية، ولكنها صناعة متجددة، وقادرة على البقاء، الامر الذي يستدعي توفير عناصر ديمومتها، عبر وضع المرتكزات الثقافية القادرة، على توظيف هذه الصناعة بالطريقة المثلى، بما يحقق المصلحة للاقتصاد الوطني.

وجود ثقافة سياحية مرتبط بتفهم اهمية هذه الصناعة، في البيئة الاجتماعية، فالعملية ليست ذات اثر اقتصادي فقط، وانما تتجاوز الإطار المادي، لتشمل العديد من الجوانب الاجتماعية، خصوصا وان السياحة قادرة على تصدير الكثير من المفاهيم، عبر الاحتكاك المباشر، مما يعكس الكثير من القيم الاخلاقية التي تحملها تلك الشعوب، وبالتالي فان حصر السياحة في الإطار السياحي، يكشف حالة من القصور في النظرة، تجاه اهمية الاحتكاك المباشر، مع الثقافات الاخرى، ”سَافِرْ فَفِي الأَسْفَارِ خَمْسُ فَوَائِدِ: تَفَرُّجُ هَمٍّ، وَاكْتِسابُ مَعِيشَةٍ، وَعِلْمٌ، وَآدَابٌ، وَصُحْبَةُ مَاجِد“.

ارتكاز السياحة على ثقافة راسخة، يخدم المشروع الوطني عبر توظيف جميع الطاقات، واطلاق الخيال لمزيد من الابداع، بما يسهم في تعميق القناعات بضرورة رفد السياحة بمقومات استدامتها، خصوصا وان الافتقار لأدوات تكريس السياحة يقود للنكوص، وعدم القدرة على احداث تجانس، بين البيئة الاجتماعية وتحريك العناصر السياحية، بالشكل المطلوب، بحيث تشكل عبئا ثقيلا على المجتمع، الامر الذي يفسر القدرة على احتضان البرامج السياحية، لدى بعض المجتمعات، وفشلها في مجتمعات اخرى.

التحرك المتوازن وغير المتطرف عنصر فاعل، في اختراق الكثير من المخاوف، التي ترددها بعض الفئات بخصوص تفعيل صناعة السياحة، في الواقع الاجتماعي، فهذه الفئة تنظر بعين واحدة للتوسع في القطاع السياحي، دون النظر بشكل اوسع او شامل، مما يحجب الرؤية عن الزوايا المختلفة، الامر الذي يستدعي التحرك بطريقة متوازنة، بعيدا عن النظرة المتطرفة، بيد ان عملية تسخير السياحة لا يستدعي التنازل عن الثوابت، والتقاليد الاجتماعية السائدة، باعتبارها الاثر القادر على احداث الفرق في الجانب السياحي، فالتمسك بتلك الثوابت امر ضروري للانطلاق بقوة، في نقلها الى البيئات الاجتماعية الاخرى.

السياحة ليست اشكال جامدة، او احجار ضاربة في التاريخ، يراد عرضها في الفضاء الخارجي، بقدر تشكل مجموعة مفاهيم قادرة، على اختراق النظرة السائدة، لدى الكيانات الاخرى، وبالتالي فان محاولة قصر السياحة في أدوات محددة، يفرغ هذه الصناعة من محتواها، فهذه الصناعة مجموعة من التفاعلات الاجتماعية لاظهار الصورة الجماعية للمجتمع، وكسر النظرة النمطية السائدة، لدى بعض المجتمعات، مما يحقق الهدف الأسمى في تحريك العقول الجامدة والمتحجر، باتجاه رسم صورة مغايرة تماما، عن الانطباعات القديمة، الامر الذي يولد التحولات الحقيقية في بناء وضع مختلف، بما يخدم صناعة السياحة.

كاتب صحفي