آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

الإعاقة.. المجتمع

محمد أحمد التاروتي *

التعاطف الكبير الذي يحظى به أصحاب الهمم، يعكس نوعية المنظومة الأخلاقية، والطبيعة الإنسانية تجاه الشريحة المبتلاة، حيث تحظى هذه الشريحة باحتضان كبير، عبر العديد من البرامج، والكثير من المبادرات ذات الأثر الإيجابية، لإشراك هذه الفئة في المجتمع، وابعادها عن الحالة الانعزالية، او الوحشة التي تنتاب بعض عناصر هذه الشريحة، خصوصا وان الإعاقة تشكل حاجزا في الاندماج الطبيعي، مع مختلف الشرائح الاجتماعية.

التعامل مع الإعاقة تختلف باختلاف الثقافة السائدة، فهناك اليات مبتكرة في محاولات دمج، هذه الفئة في البيئة الاجتماعية، مما يحدث اثرا كبيرا في نفوس هذه الشريحة بشكل عام، جراء الشعور بوجود احتضان كبير من لدن الجميع، الامر الذي يخفف من الإحساس بالنقص او الوحدة، فيما تمارس بعض المجتمعات أساليب تقليدية في استقطاب هذه الشريحة، مما ينعكس على طبيعة العلاقة القائمة مع الفئات الاجتماعية، خصوصا وان طبيعة التفكير تدفع باتجاه التجديد الدائم، وعدم الاقتصار على وسائل جامدة، في عملية وضع البرامج، ذات الطبيعة على أصحاب الهمم.

الكثير من المبادرات الخلاقة تترجم على شكل مشاريع، ذات اثر فاعل في المجتمع، نظرا لوجود عناصر قادرة على تحويل الأفكار الى واقع ملموس، الامر الذي يفسر بروز العديد من المشاريع الموجهة مباشرة لذوي الاحتياجات الخاصة، خصوصا وان إهمال هذه الفئة يترك اثرا سلبيا، على بيئة البيت الداخلي للمجتمع، مما يستدعي التحرك الجاد لادخال البهجة والبسمة، في نفوس أصحاب الهمم، باعتبارها جزء اصيل من النسيج الاجتماعي، بمعنى اخر، فان التعامل مع الشريحة كفئة اصيلة، يحدث تفاعلا كبيرا في الوسط الاجتماعي، فيما يكون الوضع مختلفا بالتعامل مع ذوي الاحتياجات كجزء طارئ، ودخيل على المكون الاجتناعي.

التعاطي مع الإعاقة الجسدية كمرض من الامراض الجسدية، يمثل مدخلا أساسيا في وضع إطار أخلاقي، في طريقة التعامل مع هذه الفئة الاجتماعية، لاسيما وان الطبيعة البشرية تتعاطف مع المريض، وتحاول تقديم المساعدة بمختلف اشكالها، وبالتالي فان وجود شعور انساني، ومحرك أخلاقي، تجاه جزء من المجتمع، يخلق حالة من التماسك الداخلي، اذ يترجم في طبيعة الاحتكاك، ومحاولة اخراج هذه الفئة من العزلة، للانطلاق بقوة في بحر المجتمع، بعيدا عن العراقيل النفسية، التي تحجب رؤية القلوب النظيفة، التي يحملها أصحاب الهمم.

الخطورة تكمن في الإعاقة الفكرية، التي تعشعش في عقول بعض البشر، حيث تلعب هذه النوعية من الأفكار المريضة، دورا هداما في الثقافة الاجتماعية، خصوصا وأنها تحاول بث الأفكار السقيمة، ومحاولة استبدال الصالح بالطالح «قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى? بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ ?»، انطلاقا من أمراض مزروعة في العقول، وبالتالي فان علاج الإعاقة الجسدية امر ممكن، وخطورته ليست كارثية على البيئة الاجتماعية، بخلاف الإعاقة الفكرية التي تخلف جيلا مشوشا، وغير قادر على الاهتداء الى الجادة الصواب، جراء اختلاط العديد من القناعات، وعدم وجود مسار واحد، بخصوص العديد من القناعات الفكرية.

مواجهة الإعاقة الفكرية تتطلب وجود عناصر واعية، وتمتلك الاليات المناسبة لايجاد البدائل، وتصحيح تلك الأفكار المريضة، خصوصا وان العملية لا تخضع للعشوائية، بقدر تستدعي التحرك بشكل مدروس، تفاديا للانزلاق او التعرض للسقوط، وبالتالي إيقاف الأفكار السقيمة ينطلق من الحرص على نقاء الثقافة الاجتماعية، والوقوف امام جميع اشكال الثقافات الانحرافي، لاسيما وان خطورة هذه الأفكار لا تقتصر على الجيل، وانما تمتد الى الأجيال اللاحقة، مما يتطلب العمل الصادق لوضع الأمور، على المسار الصحيح.

التضاد القائم بين الثقافة المريضة، والثقافة الصافية، يمثل مدخلا أساسيا لايجاد الأدوات الضرورية، لوقف زحف الثقافة السقيمة، لاسيما وان الثقافة السليمة قادرة على إيجاد المناخات المناسبة، لاستقطاب المزيد من الشرائح الاجتماعية، نظرا لما تمثله من انعكاس للفطرة السليمة.

كاتب صحفي