آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 8:31 ص

أسماءٌ على ألواح

عندما يحين دوركَ في النداء ويختفي اسمك من ديوانِ العطاء في الدنيا، كم تظن عدد من يبكيك؟ إن كنت تظن أنهم كثيرون فأنت من القلة العاليةِ الشأن! حتى متى سوف يبقونَ يبكوك؟ إن كنت تظن أنهم سيبكونك طويلاً فطوبى لك، أنت عزيزٌ عليهم. لكن واقع الحال يحكي أن الناسَ لا يبكون على المرتحلين عنهم أطولَ مما يحتاج الحالمُ أن يقصَّ رؤياه!

طبع الناس أن ينشغل المقيمُ بالحياة متطلعاً للمستقبل غير منتظرٍ عودةَ من مضى، وينشغل من ارتحلَ بالآخرة متمنياً بقاء الاتصال والوصال. سؤال تدفق في خاطر أبي عارم الكلابي فقال:

أجازعةٌ ردينةُ أن أتاها

نعي أم يكون لها اصطبارُ

إذا ما أهلُ قبري ودعوني

وراحوا والأكف بها غبارُ

وغودرَ أعظمي في لحدِ قبرٍ

تراوحهُ الجنائبُ والقطارُ

تهب الريحُ فوقَ محطِّ قبري

ويرعى حولهُ اللهقُ النوارُ

مقيمٌ لا يكلمه صديقٌ

بقبرٍ لا أزورُ ولا أزارُ

فذاك النأيُ لا الهجران حولاً

وحولاً ثم تجتمعُ الديارُ

رجع عليُّ بن أبي طالب من صفين، فأَشرفَ على القبورِ بظاهرِ الكوفة فقال: ”يَا أَهْلَ الدِّيَارِ الْمُوحِشَةِ وَالْمَحَالِّ الْمُقْفِرَةِ وَالْقُبُورِ الْمُظْلِمَةِ، يَا أَهْلَ التُّرْبَةِ، يَا أَهْلَ الْغُرْبَةِ، يَا أَهْلَ الْوَحْدَةِ، يَا أَهْلَ الْوَحْشَةِ، أَنْتُمْ لَنَا فَرَطٌ سَابِقٌ، وَنَحْنُ لَكُمْ تَبَعٌ لاَحِقٌ. أَمَّا الدُّورُ فَقَدْ سُكِنَتْ، وَأَمَّا الْأَزْوَاجُ فَقَدْ نُكِحَتْ، وَأَمَّا الْأَمْوَالُ فَقَدْ قُسِمَتْ. هذَا خَبَرُ مَا عِنْدَنَا، فَمَا خَبَرُ مَا عِنْدَكُمْ؟ ثم التفتَ إِلى أَصحابهِ فقال: أَمَا لَوْ أُذِنَ لَهُمْ فِي الْكَلاَمِ لِأَخْبَرُوكُمْ أَنَّ ﴿خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى“.

يمر أغلب الناس في صفحاتِ التاريخِ في سلامٍ دون ذكريات، ليس لأنهم ليسوا صلحاء أو محبوبين لكن التاريخ لا يذكر إلا من حفر فيه بعمق، سلباً أو إيجاباً. ننشغل أنا وأنت بالسؤال: هل وكيف سيذكرني من بعدي؟ والجواب هو: إنهم لن يذكرونك! إذن، السؤال الأجدى هو: كيف كنتُ سأُذكرُ لو عدتُ حياً؟ أما أنَّ ذلك لن يكون، فكيف سيذكرني اللهُ بعد أن أموت؟ ما هي الفضائل والقيم التي بين جوانحي التي لن تموت بموتي؟.

لو أيقن البشرُ أن أفضلَ ذكراهم بعد غروبِ شُمسوسهم ليست أكثر من اسمٍ فوق قطعةٍ من خشب أو معدنٍ رخيص، ما احتربوا يوماً أو بعض يوم. لكن تلك الحقيقة لا تحضر إلا حين لا مفرَّ ولا مناص!

مستشار أعلى هندسة بترول