آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 7:41 م

الواجبات.. الحقوق

محمد أحمد التاروتي *

يتغافل البعض الواجبات ويركز على الحقوق، مما يجعله عالة على المجتمع، نظرا للتعامل بطريقة انانية مع الجميع، فهذه الشريحة تقيم الدنيا ولا تقعدها، بمجرد انتقاص بعض الحقوق، ولكنها ليست في وارد التعاطي بمسؤولية، مع الواجبات الملقاة على عاتقها، فالعملية بالنسبة لهذه الفئة حريصة على الاخذ، ولكنها مستهترة في جانب العطاء، الامر الذي يجعلها غير فاعلة في المجتمع، جراء اعتماد على مبدأ واحد، يقوم على الاستحواذ، وتجنب البذل، مما يعني التعامل بطريقة غير مسؤولة مع البيئة الاجتماعية.

الواجبات والحقوق لا تقتصر على معاملات محددة، فهي تشمل جميع الممارسات الحياتية، بحيث تدخل في العلاقات الشخصية اليومية، في شبكة العلاقات الاجتماعية، مما يفرض وضع اطار أخلاقي، يحكم طبيعة الثقافة السائدة في المجتمع، خصوصا وان تكريس الثقافة الفاعلة لدى الفرد، يعطي النتائج الإيجابية في مختلف التعاملات الشخصية، بحيث تخلق حالة استقرار داخلي، لمنع ترجيح كفة على أخرى، فاذا سيطرت حالة الحقوق على الفكر الاجتماعي، فان النتيجة تكون الهروب الجماعي من المسؤولية، بينما تكون النتائج إيجابية بمجرد تحريك الذات، باتجاه العطاء والبذل بطريقة متوازنة.

الادراك بضرورة ممارسة العطاء، يمثل مدخلا لتكريس الحالة الإيجابية، خصوصا وان عملية التكامل ترتبط بعملية التزاوج بين الواجبات والحقوق، فيما الانانية المفرطة لا تخدم مبدأ التعاون في مختلف مناحي الحياة، فالمرء الذي يعتمد على الاخذ دون النظر الى الالتزام بالواجبات، في حياته اليومية، يبقى عنصرا ضارا في المجتمع، نظرا لانعدام روح العطاء والتضحية، وبالتالي فان تكريس هذه الظاهرة السلبية، يمثل معضلة كبرى على المسيرة الاجتماعية بشكل عام.

طريقة التعاطي مع الاحتياجات الاجتماعية، تكشف نوعية الثقافة لدى الفرد، فاذا اتسمت باللامبالاة، فانها تعكس طبيعة الثقافة السلبية، التي تحركه في مختلف التعاملات اليومية، فيما تكون ثقافة إيجابية وفاعلة، بمجرد تحولها الى ممارسات عملية، في أسلوب التعامل مع تلك الاحتياجات، وبالتالي فان الميزان الحقيقي لتحديد طبيعة الثقافة السائدة، تقوم على الاليات المتبعة في التعاطي، مع الازمات الاجتماعية على اختلافها، فهناك فئات تتهرب من الانخراط في الازما، ت كونها تفرض تقديم بعض التضحيات، ولكنها تكون في المقدمة فيما يتعلق بالأخذ، والحصول على بعض المكاسب، سواء المادية او المعنوية.

وجود المحفزات الذاتية عنصر أساسي، في خلق التوازن المطلوب بين الواجبات والحقوق، فالمرء الذي ينطلق من قناعات شخصية بضرورة التخلي عن الانانية، والدخول في بحر العطاء، يشكل عنصرا محركا في الوسط الاجتماعي، باعتباره احد النماذج الحقيقية لمجموعة القيم الفاضلة، وبالتالي فان الانطلاق الحقيقي يبدأ من الذات في رسم صورة خارجية، للتعامل المسؤول مع المحيط الاجتماعي، مما يساعد في إعطاء نموذج عملي على حالة التوازن بين الاخذ والعطاء، الامر الذي يساعد في نشر هذه الثقافة الإيجابية، في البيئة الاجتماعية الواسعة.

النظرة السلبية مرتبطة أحيانا بالقناعات الشخصية لدى الفرد، حيث يتعامل بشكل فردي مع جميع الازمات، باعتبارها مشاكل لا تمت له بصلة، مما يدفع للابتعاد الكامل عن ملامستها، او المساهمة في إيجاد الحلول المناسبة لها، بينما يلعب الوسط الاجتماعي دورا في تكريس الحالة السلبية، ونشر الثقافة الانعزالية، من خلال ابعاد القاعدة الشعبية عن التعامل مع الازمات، باعتبارها ذات ”مسؤولية محدودة“، مما ينعكس بشكل مباشر على الثقافة المسؤولة، لدى بعض الشرائح الاجتماعية.

المجتمع يخلق الظروف المناسبة، لتكريس ثقافة ”الواجبات والحقوق“، من خلال اشراك الجميع بطريقة مباشرة، او غير مباشرة، في المساهمة بإيجاد المعالجات المناسبة، الامر الذي يولد حالة من التعاون القائم على التشارك في الهموم، وعدم القاء المسؤولية على فئة محددة، خصوصا وان الازمات على اختلافها تترك العديد الاثار على الجميع، مما يستدعي المشاركة الفاعلة للتعامل المسؤول، في وضع المعالجات المناسبة، تبعا للامكانيات والقدرات لدى الفرد في المجتمع.

كاتب صحفي