آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 9:08 م

قوة الوهم

حسين محمد آل ناصر *

اعتادت فاطمة الذهاب للمستشفى لإجراء التحاليل الطبية مرات متعددة وكانت تفحص جسمها لترى أي تغيرات فيه، تقيس وزنها كل يوم وكل تغير طفيف يخلق داخلها ألف فكرة مؤلمة، صور من الفقد والألم وموت يسابق الموت، كانت عادة ما تنتقد الطب والأطباء تتابع برامج التواصل الاجتماعي باستمرار بحثا عن بريق أمل، لم تعد تستمتع بحياتها ولا بهواياتها، اعتزلت أسرتها وعلاقاتها تركت عملها فغادرت طموحاتها وصار الوهم دافعا لها واليأس عنوانها.

تلك ليست رواية درامية، بل واقع يألفه الأخصائيون النفسيون في عياداتهم، مشاهد لمرضى يعيشون وهم إصابتهم بأمراض خطيرة أشهرها السرطان والإيدز.

وها نحن اليوم نعيش جائحة كورونا، كل شيء يتحدث عن كورونا، كل شيء يذكرنا به، أصبح موضوع الجلسات الواقعية والافتراضية، الطفل والراشد، الرجل والمرأة المختص والمثقف والأديب، النخبوي والشعبي كلهم يتحدثون عنه، يتصدر عناوين كل الصحف، لقد شغل هذا الفيروس وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام أيضا فصاروا يفتتحون به برامجهم ويختمونها به.

لقد تعود الناس على مصطلحات كالوباء، الجائحة، مدة بقاء الفيروس على الأسطح المختلفة، النظام الصحي، الحجر الصحي، الحجر المنزلي وحظر التجول، وألفوها، فصاروا يرددونها في يومياتهم، ويستخدمونها في شعاراتهم وتعبيراتهم، وانعكست في نظام حياتهم.

ومازلنا حتى الآن بين الوقاية والعلاج بين الخوف والرجاء نبحث يوميا في إحصائية عدد المصابين في العالم وعدد الوفيات وعدد الحالات التي تماثلت للشفاء، ومن جهة أخرى يتسابق العالم والعلماء في تجربة أدوية لأمراض أخرى قد تعالجه، ويسعون ليل نهار لإيجاد لقاح ناجع له.

لاشك أن هذه الجائحة سلتقي بظلالها على كل شيء، ولنا أن نقول إن ما بعد كورونا ليس كما قبله، سيغير هذا الفيروس الاقتصاد والعادات الاجتماعية للناس وربما يغير نظرتهم للعلم والصحة وفلسفتهم تجاه الحياة، ويؤسفني كمختص أن أقول إنه سيجدد جروحا نفسية عند بعض المرضى وسيلعب دورا يساعد في استثارة القلق عند آخرين ويهيئهم للإصابة به بمساعدة العوامل الوراثية والعصبية.

يشخص اضطراب قلق المرض «Illness anxiety disorder» وفقا الدليل التشخيصي الأمريكي الخامس للاضطرابات النفسية عندما يستمر القلق المتعلق بالإصابة بمرض خطير ستة أشهر دونما وجود أعراض جسدية جوهرية، ولو طبقنا هذا على كوفيد 19 سيظهر لدينا اضطراب قلق كورونا أي القلق من الإصابة به، من دون وجود أعراضه.

وبغض النظر عما إذا كانت خطورة هذا الفيروس تكمن في أنه سريع الانتشار، وأن فترة حضانته قد تمتد لأسبوعين ويمكن للعدوى أن تنتقل من مريض لآخر حتى من دون ظهور أعراض، تلك معلومات لا تخدم مريض القلق، بل يراها معززة لأفكاره وقلقه، ويتميز ذوو قلق المرض بتفسيرهم للأعراض العادية على أنها كورونا خفي ويبالغون في احتمال الأسوأ.

المشكلة الكبرى في أن هؤلاء المرضى يزعجون الأطباء في التخصصات المختلفة ولا يرون دورا للمختص النفسي في مشكلتهم فلا يذهبون له إلا بعد توصيات متعددة من أطبائهم.

الدور الوقائي النفسي بالإضافة للدور العلاجي في المرحلة الحالية وفي المستقبل يجب أن يقدما جنبا إلى جنب مع الدور العظيم الذي يقوم به الأطباء في الوقاية والعلاج للمرضى الذين تم تشخيصهم فعليا بالمرض.

يساعد المختصون النفسيون المرضى ببرامج للدعم النفسي، كما أنهم يقدمون استراتيجيات معرفية سلوكية مختلفة تهدف لتقليل الانتباه المفرط للأعراض الجسدية وتوقف الفحص المستمر للجسم والذهاب للأطباء.

أخصائي نفسي أول - ماجستير علم النفس الاكلينيكي