آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 4:37 ص

علي الأكبر.. قدوة الشباب

عبد الرزاق الكوي

يولي الدين الاسلامي وأحاديث الرسول صلى الله عليه واله وأقوال الائمة أهمية خاصة للشباب فهي فترة من اروع فترات عمر الانسان يكون فيه الشاب في اكمل الاستعدادات النفسية والفكرية والجسدية لمسك زمام الامور ودخول معترك الحياة هذه الفترة تعتبر رمز للعطاء والبدل والسعي الحثيث للتضحية ولما لهذه الفترة العمرية من دور حساس يؤمل من الشباب القيام بالأدوار الصعبة والمهمة التي تحتاجها مجتمعاتهم في مختلف الميادين الحياتية، فالأمة قوية بشبابها ومتقدمة في مصاف الدول بعطائهم المثمر وشخصيتهم الواعية والمدركة لأهمية دورهم والتفاعل مع المستجدات على الساحة المحلية وما يحاط بهم خارجيا وتفاعلهم الايجابي الذي يصب في مصلحة امتهم، أن أي عملية تغييرية في المجتمع وقودها الشباب الخير والمؤمن المتبع لهدي الاسلام وسيرة أئمة أهل البيت هذه القدوة الصالحة التي توصل الى بر الأمان، فالشباب حجر الرحى الذي يعول عليه في تقدم وازدهار المجتمع او تخلفه، فاليوم العالم يعيش صراع بقاء وحروب على كافة الأصعدة من سياسية وفكرية واجتماعية واقتصادية وصحية شرسة تحتاج إلى إثبات الذات، وهذا الثبات يحتاج الى شباب يتطلع لبناء مستقبل زاهر لبلده ومجتمعه، فلا يخفى على احد من المؤمرات والغزو الثقافي الشرس والثقافات الدخيلة التي تحاك جلها تستهدف الشباب لانهم القوة الذي اذا فعلت قوية الأمة وازدهر المجتمع، ولهذا اذا ضرب الشباب في معتقداتهم وثوابتهم من خلال الاعلام والبث المكثف لزعزعة ثقتهم في قيمهم وزرع ثوابت دخيلة ووالتشكيك في الثوابت الدينية، وصولا التسيب الأخلاقي، ولا قدر الله تعاطي المخدرات وانتشار الجريمة وكثير من الانحرافات التي تعصف بكثير من المجتمعات، تتم تلويث فطرتهم السليمة وزرع العادات السيئة والمحرمة والخارجة عن القانون، فاستقامة الشباب واجب دولة وأسرة وجامع ومدرسة ورجل دين واجتماعيين فهم أمل الأمة وتقدمها والحفاظ على مكتسباتها، فالشباب طاقة وحيوية ونشاط واندفاع وتقبل وتوثب، يجب العمل على ان تكون في جانب الصواب والإيجابية هذه الطاقة، تستثمر خير استثمار لا ان تذهب هدرا في مالا فائدة منه ويمكن ان يعود عليه وعلى أسرته ومجتمعه بالخسارة وفقد المكاسب المرجوة.

بعثت الرسول صلى الله عليه واله واظهار رسالته، كان الشباب هم أول الملتحقين بركب الرسالة، حيث كان علي بن أبي طالب أول من أسلم، وكان الشباب من أمثال عمار بن ياسر وأبو ذر الغفاري ومصعب ين عمير وغيرهم من الشباب الذين رفدوا الرسالة ودافعوا عنها ببسالة وشجاعة، حملوا الراية وخلدوا في التاريخ.

فترة الشباب هي من الفترات القابلة للتغير وسهولة التكيف مع الواقع الجديد، فترة يقبل الشاب النصيحة ويتجه للخير ويسمع لكلمك الصلاح وأطوع للتهذيب والين للاستجابة واقوى للمجاهدة والتأقلم.

أتباع أهل البيت أنعم عليهم الخالق جلا وعلا بأنوار الائمة ، فنجد فيهم التكامل الأخلاقي والإيمان الثابت والقيم الراسخة، كلا يجد ضالته في قدوة يتخذها من الطفل الصغير الى الشاب في مقتبل عمره الى الشيخ الكبير، والمرأة، فهم رواد القيم وخير من يقتدى بهم.

﴿إنّي تاركٌ فيكم الثقلين ما إن تَمَسَّكم بهما لن تضلّوا بعدي كتابَ اللَّه وعترتي أهلَ بيتي، لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوضَ.

هذا اليوم من الأيام المباركة والسعيدة على الأمة الإسلامية بميلاد علي الأكبر بن الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب ، أن يتخذه شباب الأمة قدوة فهو باب من أبواب الرحمة وشخصية عظيمة لم توجد شخصية تكامل فيها الشبه بينه وبين جده النبي صلى الله عليه واله غيره، شبيه بالمصطفى على مستوى الجسد وأيضا على المستوى الخلقي ومنطقه منطق الرسول صلى الله عليه واله، فتح عينيه في أطهر البيوت وأعلاها شأن، تربى على صفوة أهل البيت فابوه سيد شباب أهل الجنة، وجده علي بن أبي طالب وجدته فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين، عمه المجتبى الحسن بن علي، عمته زينب الكبرى عليهم جميعا أزكى السلام، بيت اذن الله ان ترفع ويذكر فيها اسمه، تجلت فيه مكارم الأخلاق واتصف بالشجاعة والشجرة الطيبة التي اصلها ثابت وفرعها في السماء كانت القريبة من الله سبحانه وتعالى، عملت فيه الوراثة الطاهرة فكان مثلا رائعا للمثل والقيم.

ولد في الحادي عشر من شعبان المعظم عام33 هجري، وقيل عام 38 هجري واختلف المؤرخون في عمره الشريف، قيل 18 سنة وقيل 25 سنة، وهو اكبر اخوته. قيل أنه ولد بعد وفاة جده الإمام علي بسنتين، يكنى أبا الحسن ويلقب بالأكبر، اذا تلى أية او روى رواية شابه جده رسول الله صلى الله عليه واله في كلامه ومقاله، كان مثال الروح الإيمانية الصلبة والإصرار على الحق والعزم المحمدي، كان من أهل الشجاعة وبدل النفس في أعلى مستوياتها، ليس غريبا وهو من أهل بيت الإيمان والشجاعة والبسالة، كان في مسيرة كربلاء يشتاق إلى لقاء ربه، يرى بعين بصيرة ويقين صادق ما ينتظره وهو يسمع كلام سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين ﴿من لحق بنا استشهد ومن تخلف عنا لم يبلغ الفتح. من جليل مكانته وقدر منزلته أفرد الائمة له زيارات مستقلة، إشعارا بسمو مقامه وعظيم درجته. فكان الأكبر في كل شي.

فكل شاب يافع وهو يستقبل مرحلة الشباب بانفتاحه على الدنيا ممتلئ بالحيوية والنشاط والأمل، يمتلك الطاقة والقدرة للانخراط في الحياة ان يضع خير الشباب اهل البيت وزينتها وقدوتها الأكبر امام ناظريه، فالأكبر لم يضع اماله في شهوة ولذة ولهثا وراء شهرى عابرة ولم تؤثر فيه مغريات، عاش حياته التزاما ليخلد لنا مثالا للشاب الايماني بالتزامه ووعيه وطاعته فصار خير قدوة، وضع المغريات الحياتية خلف ظهره ليتسامى، لم يغتر بما انعم الله تعالى عليه من نعمة الجمال، ولم يتعالى بما يملك من مكانة اجتماعية، بيقينه القوي وإيمانه الصلب دخل معركة كربلاء بروح المستبشر بكل شجاعة حير العقول وهابته شجعان العرب، لم ترعبه الكثرة ولم يهاب السيوف خاض المعركة ذكرهم بصولات جده امير المؤمنين ، فكتب اسمه في ديون الخالدين الأبطال، المدافعين عن القيم والحفاظ على مبادئ الدين.

هذه الذكرى العطرة من ميلاد زين الشباب علي الأكبر، تجدد لدى الشباب الأمل وأخذ القدوة والاقتداء بالخالدين في الدنيا والآخرة، لتصبح الفرحة فرحتين الميلاد المبارك واتباع شباب الأمة وامل المستقبل بحفيد الرسول صلى الله عليه واله، فالأكبر استغل جل وقته من اجل أن يتكامل ويسمو وحافظ على هذه المبادئ وشكر النعمة بالطاعة وبالعمل لرضا الله سبحانه وتعالى، فمقدار الكمال في حياة الشاب وهو في مقتبل عمره الطاعة للأوامر الإلهية والابتعاد عن النواهي فالدنيا ماهي الا جسر الى الآخرة وبالمجاهدة واخذ القدوة الصالحة المتمثلة بخير الشباب الأكبر ليصل الشاب الى المعالي، فالأكبر عندما احتاج الدين ان يقدم حياته فداء، قدمها بكل رضا، فالشاب في الوقت الحاضر ان يقدم ويجاهد النفس ويحافظ عليها من الإنحراف وان لا يكون في يوم من الأيام بعيدا عن علي الأكبر .

أجمل التحيات واعطر الأمنيات وازكى التبريكات العطرة بذكرى يوم الشباب ولادة واحد من كواكب اهل البيت حفيد اشجع العرب وابن سيد الاباء، امتداد لخلف النبوة والنهج العلوي.