آخر تحديث: 24 / 4 / 2024م - 8:46 م

كورونا والتوافق الأسري

زهراء آل خليفة *

يعيش العالم برمته حالة ركود شديد في العلاقات الاجتماعية الخارجية بسبب ما يسمى جائحة كورونا التي دمرت حركة الناس الاقتصادية وأوقفت الحراك الاجتماعي.

ونحن هنا استقبلنا كثير من الحالات خلال الاسبوعين المنصرمين، وتلك الحالات كانت تعاني من وسواس قهري، وعلى سبيل المثال زاد وسواس الطهارة لدى البعض، بسبب كثرة استخدام المعقمات وكثرة الرسائل التي توصي بالغسل والتعقيم... الخ

كما أن بعض الحالات لديها اكتئاب من الوضع، بعضها يعيش منزو لحاله في الغرفة، أو أنه ينام أكثر من المعتاد، وربما يصوم ويفطر على تمرات وقليل من الماء وبعض الاكل البسيط بحجة عدم التسوق لعدم التعرض الى الفيروس.. بعض الحالات أصيبت بحساسية جلدية من جراء استخدام الصابون والماء، والمطهرات والمعقمات

هذه الحالات تتراوح أعمارها من سن الثانية عشر إلى الستين أغلبهن من الأمهات والفتيات، وقليل منهم من الذكور الأولاد.

لا شك أننا هنا لنا دور كبير في تفهم مثل هذه الحالات، بالأخص تلك الحالات المتعاونة معنا، حيث أنها تقدمت الاستشارة بنفسها وليس عبر وسيط كما يحدث أحياناً. وقد قمنا بإرشادها إلى الرقم الموحد من وزارة الصحة 997حيث يتم الرد عليهم وتحويلهم الى مركز صحي حلة محيش، والذي خصص من قبل إدارة التجمع الصحي للحالات النفسية، أو حسب المركز الصحي المناسب للحالة او حتى القطيف المركزي.

أما بعض الحالات فقد وصلت إلينا عن طريق وسيط من العائلة أو من خارجها، والحالة نفسها لم توافق من الأساس على الاستشارة وتعتبر نفسها طبيعية، هؤلاء يعتقدون أن حالتهم النفسية طارئة وناتجة عن الظروف الحالية وما يمر به الناس من أزمة فيروس كورونا. ويعتقدون أنه بزوال هذا المرض الطارئ ستزول الأعراض. ونؤكد هنا صعوبة التصرف مع هذه الحالات. لأنه غني عن التعريف أن أي إرشاد نفسي لن يعود بالنفع لها، بل إن المردود سيكون سلبياً.

هذا من جانب. ومن جانب آخر فإنه من المفيد أن نلفت النظر إلى أنه حدث تقارب ملفت بين بعض الأزواج وزادت اللحمة بينهم، فيما تأججت النار وزادت الهوة بين بعض الأزواج، فقد وردت الينا حالات لبعض الازواج والزوجات من خلال الاقتراب من بعضهم داخل البيت وقمنا بتصنيفهم إلى نوعين:

الأول: إيجابي، حيث أنه سبق وان تقدم لنا بمشورة قبل عدة شهور فيها تشكي وتظلم من كلا الزوجين، ولكن الآن ومع الحجر الصحي، حدثت مكاشفات بينهما على الطبيعة، وشاهد الزوج بنفسه الجهد الذي تبذله الزوجة من تربية وتحمل شديد وصبر على الأبناء في حال غياب الأب الذي كان سابقاً يتذمر.. كان في السابق لا يكاد يرى أطفاله إلا قبل النوم، أو سويعات في الإجازات. أما الآن فقد شاهد الزوج بنفسه هذه المشاهد التربوية المؤثرة من قبل زوجته، هو يقول الآن: لو تقبل زوجتي أن أقبل قدميها لفعلت، وذلك لما شاهدته بأم عيني من ألم المعاناة التي تنالها طوال اليوم. بينما أن في السابق لا أجد ما أفعله سوى التذمر وكثرة التشكي من شقاوتهم. الآن وبعدما شاهده من صبرها عرف الحقيقة وبدأ يميل نحو الاعتذار وقبول الآخر، والمحصلة أن أهم فوائد الحجر الصحي بالنسبة لهذا النوع هو أن الزوجين انتبها إلى أهمية التعاون في احتواء سلوكيات الأبناء وإكمال العملية التربوية بالمشاركة.

أما النوع الثاني: السلبي

هؤلاء هم المتذمرون والذين لايعجبهم شيء، وهم أشبه ما يكونوا بالمتقاعدين الذين وجدوا نفسهم فجأة في المنزل بعد عمر طويل من العمل والكد، الآن وفجأة بدأ يدخل المطبخ ويهتم بالغسيل ويقوم بترتيب الأثاث وينتقد كل شيء ولايعجبه شيء أبداً، وهو هنا وكما شاهدنا في الكثير من المقاطع المضحكة بأنه على الرغم من أنه يهدف للمساعدة ولكن على طريقته الخاصة حيث ينتقد بشكل دائم، مما جعل الزوجة تتذمر هي الأخرى وتتمنى أن تطرده من المطبخ وربما من المنزل.

هذه التصرفات ولاشك لها الأثر السلبي على الأبناء حيث كثرة الشجار والخلاف بين الزوجين. إذ أن الأم سابقاً كانت تقوم بكل شيء دون علم الزوج وما كان عليه سوى الحضور للأكل أو النوم بينما حركة البيت وعجلتها بإدارة الأم وحدها.

تقول إحدى الزوجات بأن سلوكيات جديدة ظهرت لديها بعد هذه التصرفات من الأب مثل التبول اللاإرادي وغير ذلك من السلوكيات الغير مرغوب فيها.

ونحن بدورنا ننصح مثل هؤلاء الازواج بشغل وقت الفراغ بالجلوس مع الأبناء، في غرف الصف التعليمية ومتابعة الدروس وعدم التدخل في خصوصيات الزوجة في المطبخ إلا بالقدر اليسير الذي يشعر الزوجة بحب الزوج وقربه منها، وتشجيعها بالكلمات الحسنة، من اجل ايجاد وفاق بينهم وتحويل المحنة إلى منحة من الله. وفتح قنوات جديدة بينهما للتعارف والتآلف. وكذلك بالنسبة للأبناء.

كما ننصحهم بالتضرع الى الله اتجاه هذا الوباء العالمي والذي سيزول بإذن الله.

من جانب آخر فإن بعض الرجال ممن وردت إلينا حالاتهم، متهاون بالمسألة ولا يستمع الى التعليمات الصحية ولا الأمنية. وهنا تقع الزوجة في قلق شديد مما يولد لها حالة إحباط، وقد تصاب بالإكتئاب الشديد.

والجدير بالذكر الحالة الاقتصادية العصيبة التي تمر بها الأسر سواء ذوات الدخل المحدود أو غيرها أثرت على بعض ما وردتنا من حالات، وناشدت بعض الأمهات بإيجاد حل لكثرة الأكل والوجبات التي تقوم بإعدادها، سواء هي أو بناتها، وهي تخشى الإصابة بالسمنة من كثرة الجلوس في البيت وأمام التلفاز أو الشاشات الذكية، والأكل عدة وجبات.. مثل هذه السلوكيات ليس أمامنا سوى تهدئتهم وإعطائهم بعض الإرشادات التي تخفف من عدم تفاقم هذه السلوكيات.

وأخيراً نوجه بالقول لا بد من التعاون لتمر هذه الأزمة بسلام، وعلينا بالصبر والعزم الشديد واتباع القوانين الصحية والأمنية، فها هو القران يقول «وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ» بشارة للصابرين كما أن القران يدعونا الى التضرع في مثل هذه الازمات «وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ» الالتجاء أوالتقرب والتضرع الى الله سبحانه يغير الحال ويدخل في النفوس الطمأنينة. على الجميع التذرع بالصبر والتضرع الى الله في كشف الغمة عن هذه الأمه واغتنام فرصة الجلوس بالبيت بالقراءة المفيدة ومشاهدة الافلام المسلية والمفيدة وابتكار برامج مفيدة للأبناء والأمهات والآباء على السواء. لقد شاهدنا الكثير من الأسر ابتكروا أفكار مثيرة ومسلية ليقتلوا الملل بسلاح العلم والمعرفة والابداع التشاركي مع أفراد العائلة. وذلك كله شاهدنا فيما ينتشر من مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي. والله ولي التوفيق

مرشد أسرية