آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 12:54 ص

كورونيات تاروتية: «8» كورونا والكذب على المتدينة

الدكتور أحمد فتح الله *

يتم في هذه الأيام التداول على وسائل التواصل الاجتماعي وبعض الفضائيات لكلامٍ حول وباء ”كورونا“ يُدّعى أنه مذكور في كتاب ”عظائم الدهور“ لأبي علي الدبيزي «ت 565»: ”عندما تحين العشرون.. يجتاح الدنيا كورون“. «يأتي أدناه».

هذا الإدعاء يُؤكِّد أنَّ مَن نسج هذا الكلام قد تعمَّد الكذب، فلا يوجد كتابٌ بهذا الاسم والمؤلف مُخترَع؛ فلا ذكرٌ لأحدٍ بهذا الاسم في تراجم الرجال «سنة وشيعة» سواءً في القرن السادس الهجري أو قبله أو بعده.

بحسب زعم المقولة التي تم تداولها بشكل واسع دون التحقق من صحتها: ”ورد في كتاب عظائم الدهور لأبي علي الدبيزي توفى 565 هـ:

عندما تحين العشرون قرونًا وقرون وقرون يجتاح الدنيا كورون
فيميت كبارهم ويستحيي صغارهم
يخشاه الأقوياء ولا يتعافى منه الضعفاء
يفتك بساكني القصور ولا يسلم منه ولاة الأمور
يتطاير بينهم كالكرات ويلتهم الحلقوم والرئات،
لا تنفع معه حجامه، ويفترس من أماط لثامَه،
يصيب السفن ومن فيها، وتخلو السحب من راكبيها،
تتوقف فيه المصانع، ولا يجدون له من رادع،
مبدؤه من خفاش الصين، وتستقبله الروم بالأنين،
وتخلو الشوارع من روادها، وتستعين الاقوام بأجنادها،
يضج منه روم الطليان، ولا يشعر من جاورهم بأمان،
يستهينون بأول اجتياحه، وييأس طبهم من كفاحه،
يتناقلون بينهم أخباره، ويكتشفون بلا نفعٍ أسراره،
يخشاه الاخيار والفساق، ويدفنون ضحاياه في الأعماق،
تتعطل فيه الصلوات، وتكثر فيه الدعوات،
وتُصَدِّقُ الناس ما يشاع وتشتري كل مايباع،
ممالك الأرض منه في خسارة تعجز عن محاربته وانحساره،
في زمانٍ قل الصدق في التعامل. وشح الأحسان في المقابل،
ثمَ تنكشف الغمة عن الأمة،
بالرجوع إلى الله تأتي التتمة،
وتستنير الضمائر المستهمة
بالتضرع الى الله والصلاه على الانبياء والأئمة“.

ليس فقط أن الكتاب هذا وهمي وكذلك صاحبه المُدَّعى، النص اللغوي ”ركيك“ لا يتفق مع الفترة الزمنية التى يزعم أن الكتاب يعود إليها، ويعتمد على السجع المتلاحق. كذلك، عنوان الكتاب غير متسق، ف ”عظائم الدهور“ عبارة غير منسجمة تركيبًا ومعنىً، ولو واضعه سماه ”عظائم الأمور“ لكان مقبولًا.

إضافة إلى ذلك، جميع المصادر العربية القديمة وكتب التاريخ والتراث الإسلامي، لم تستعمل التاريخ الميلادى، فأي قول ينسب لكتب تراثية عن أمور بالتاريخ غير الهجري لا قيمة اه اطلاقًا.

وهذا القول، للأسف، دَالَ بعد خرافة كتاب ”أخبار الزمان“ الوهمي أيضًا، لمؤلفه المجهول تاريخيًّا أيضًا، ”إبراهيم ابن سالوقية“، الذى قيل إنه توقع، أيضًا، نهاية العالم في عام 2020، بهذا النص:

”حتى إذا تساوى الرقمان «20 = 20» وتفشى مرض الزمان،
منع الحجيج واختفى الضجيج،
واجتاح الجراد، وتعب العباد،
ومات ملك الروم، من مرضه الزؤوم،
وخاف الأخ من أخيه، وصرتم كما اليهود في التيه،
وكسدت الأسواق، وارتفعت الأثمان،
فارتقبوا شهر مارس،
زلزال يهد الأساس،
يموت ثلث الناس،
ويشيب الطفل منه الراس“. «ص 265»

والأدهى، من هذا، هناك مَنْ ينسب ”كورونا“ في كلام لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب ويزعم «أو يزعمون» أنَّه مذكورٌ في نهج البلاغة في قوله ”يأتي عليكم زمان يُصاب رهط بمجاعة ولا يُصلَّى على الميت جماعة فالزموا منازلكم..“.

هذ ادعاء، بل محضُ كذبٍ وافتراء. إذ لا وجود لهذا النص أو ما يشبهه في نهج البلاغة. وَمَنْ روَّج لهذا الكلام يهين أمير البلاغة والفصاحة، من حيت يعلم أو لا يعلم، لأنَّ مثل هذا الكلام الركيك والملحون لا يصدر منه وهو يعز عنه ويكرم عن مثله. والأنكى هذ الهدر لا يصدرُ عن رجلٍ عربيٍّ يُحسنُ العربية.

مثل هذه الشائعات تستهوي البسطاء المساكين من الناس، وتخلق بلبلة لا يمكن التنبؤ بعواقبها.

وقبل هذا، وبعده، نقلٌ لا أصل له ولا دليل عليه، فهو كذب وافتراء، وفيه يصدق قول الحكيم العليم في كتابه الواضح المبين: ﴿إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُون «105/ النحل»

﴿ومن أظلم ممن افترى على الله كذبًا أو كذب بآياته «21/الأنعام»، ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى الله «32/ الزمر».

وليتهم وقفوا هنا واكتفوا بهذا، بل تعدوا على القرآن الكريم. وهذا أخطر، عندي وعند كل مسلمٍ غيور، من كل ما سبق، وقالوا أن ”الناقور“، المذكور في آية 8 من سورة المدثر: ﴿فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُوْر، هو فيروس كورونا.

هذا تدليس على كلام الله، القرآن الطاهر المطهر، وتحريف لمعنى آيات الله عز وجل، فالنَّاقور، كما اتفق المفسرون، هو الصُّور، أي الْبُوْق، الذي يُنفخ فيه يوم القيامة. وعلى هذا يكون قوله تعالى: ﴿فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُوْر «8/المدثر»، مثل قوله: ﴿فَإذَا نُفِخَ في الصُّورِ نَفْخَةً وَاحِدَةً «15/الأحقاف»، وكذلك مثل قوله: ﴿وَنَفَخْنَا فِي الصُّوْرِ فَجَمَعْنَاهُ جَمْعًا «99/الكهف».

وذكر المفسرون أنَّ إسرافيل ، الملَكُ المُوَّكل بالنفخ، يَنفخ في الصور ثلاث نفخات:

الأولى: ”نَفْخَةُ الْفَزَع“، قال تعالى في سورة النمل: ﴿ويومَ يُنفخ في الصُّور فَفَزِعَ مَنْ في السَّمَوات ومَنْ في الأرضِ إلَّا مَنْ شَاءَ الله «87/النمل».

والثانية: ”نَفْخَةُ الصَّعْق“ التي يموت فيها الخلائق. وقيل أن ”نقر الناقور“، هي الصيحة الثانية.

والثالثة: ”نَفْخَةُ الإحياء بعد الموت“، وفي هاتين النفختين «الثانية والثالثة» يقولُ تعالى: ﴿وَنُفِخَ في الصُّوْرِ فَصُعِقَ مَنْ في السَّمَواتِ وَمَنْ في الأرضِ إلَّا مَنْ شَاء الله. ثُمَّ نُفِخَ فِيْهِ أُخَرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُوْنْ «68/الزمر».

ولغويَّا «أي في اللغة»، النَّاقور، والجمع: نواقير، اسم آلة مِنْ نَقَرَ/ نقر على/ نقر عن/ نقر في، وهو بوق «صور» ينفخ فيه، والصرف له من ”فاعول“ من النَّقر، كأنه الذي من شأنه أن ينقر فيه للتصويت، و”النقر“ في كلام العرب: ”الصوت“، فتقول: ”نقر باسم الرجل“، إذ دعاه مختصا له بدعائه. ومنه قول الشاعر الجاهلي امرئ القيس:

«أخفضه بالنقر لما علوته **** ويرفع طرفا غير خاف غضيض»

النتيجة

فعليه، نشر الكذب ومحاولة إثبات شيء ليس له أساس ولا أصل، لا يخدم في خروج الناس من هذه الأزمة، بل المسلم، والعاقل، من يأخذ بالأسباب مع التوكل على الله والدعاء، فعلاج هذا الأمر هو اتباع التعليمات الصحية والأمنية من وزارة الصحة ووزارة الدخلية التي تهدف إلى حفظ الأنفس، وعودة الناس إلى حياتهم الطبيعية التي أربكها وغيرها الخوف من انتشار فيروس كورونا «كوفيد - 19».

هذه الاحتياطات، مع التضرع إلى الله عز وجل أن يرفع هذا الوباء، بلطفه ورحمته عاجلًا، هي التي ستخرجنا جميعًا. ولا شيء غير ذلك. حمى الله البلاد والعباد.

تاروت - القطيف