آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 6:17 م

من بقايا فرح البارحة

لا بد أن أرسمَ لكم من ليل أمس، 8 نيسان 2020م الموافق 14 شعبان 1441 هجرية مشهدين متنافسين في الروعةِ  والجمال. وفي كلِّ واحد منهما دلالة أن الله ما يأخذ من نعمةٍ إلا ويعطي مثلها وزيادة.

الأَول: هو أن البارحة سُرقت منها أفراحُ صغاركم، غابت عنها  صَلواتكم في المساجد وأَحاديثكم في المحافل، واختفَت مظاهرُ الفرحِ من العالم. لكنكم أقمتم الصلوات وانقَطعتم إلى الله وتفرغتم لعبادته في بيوتكم وعشتم الفرحَ في قلوبكم وفي عقولكم، ورَأيتموه في عيونِ أطفالكم. ثم أنكم أيضاً رأيتم الفرحَ في عيونِ وبطون الصغارِ والكبار الذين وصلَهم بركم وأموالكم، وأَحاطتهم عطاياكم. في ظلالِ دعواتكم حتماً سوف تكون السنة القادمة أجمل وأبهج، وليس عليكم سوى أن تَنتظروها ﴿أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ؟!

لو كتبت لي البارحة دعوة مستجابة واحدة، لا غير، فهي حتماً ستكون الطلب من الله ألا تعودَ نكسة كبرى في ليلةِ النصفِ من شعبان أبدا. وبما أنها ليلة الأمل والانتظار، سوف نظل ننظر في القمرِ في أنصافِ كل شهر حتى إذا جاءت من السنةِ القادمة، ملأنا فيها سلالَ وأكياسَ الصغار بهدايا الله.

المشهد الثاني تمثل في حزنِ وصمت الشارع! كان في مثل ليلة البارحة من كل سنة لا يهدأ حتى ساعاتٍ متأخرة من الليل، يقطعه المشاةُ من الجانبين نساءً ورجالاً وأطفالا، صبايا وصبيان. ومرور العربات لا يكاد يتوقف حتى أنه يكون مضجراً مملاً مزعجاً في بعضِ الأحيان! لم يخفف من جفافِ المشهد سوى تلألأ الأضواء من شرفاتِ وأسطح المنازل واتحادها مع ضوءِ القمر.

بدى صوتُ الطبيعة الهادئ الذي طالما حلمنا به وتَمنيناه هو الممل والباعث على الأسى والضجر، والضجيج والأصوات وحتى الغبار والأتربة التي يثيرها المارة كانت رائحتها سريالية وكان غيابها ملحوظاً، فلم أغبط جاري الذي كان يعد لهذه المناسبة ويزين مداخل داره أياما قبلها والنتيجة تكون أعداداً أكبر من الجيرانِ والمارة يقفون على بابه.

في قتامةِ هذا المشهد وظلمته بقيتم أصحاء وحَافظتم على سلامةِ عقولكم وأجسادكم وبعدما تنتهي هذه الجائحة سيكون ما كرهتموه خطوطاً في رمالِ ذاكرتكم ويصح فيها المثل العربي ”مسير الحي يتلاقى“.

تبقى الحكمة الانسانية والعالمية في المشهدين ﴿وَعَسَى? أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ? وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ. إذ أن القناعة والرضا بهذه الحقيقة يعمق في الإنسان روح الإنضباط والتسليم أمام القوانين الإلهيّة ويوسع آفاقَ مداركه ويربطها بالعالم اللاّمحدود في علمِ الله سبحانه وتعالى. فالإنسان قد يكره شيئاً في حين أنّ سعادته تكون فيه، أو أنّه يفرح لشيء ويطلبه في حين أنّه يستبطن شقاوته.

كل عام وأنتم بخير...

مستشار أعلى هندسة بترول