آخر تحديث: 18 / 4 / 2024م - 1:06 ص

هل تفعلها أنت لأبيك؟

المهندس هلال حسن الوحيد *

شحت من الاسواقِ أحد المواد التي كان يفضلها ابنُ صديقٍ لي في إفطاره فلم يترك ذلك الصديق دكانا إلا وقصده مرةً أو مرتين لعله يجد ما يرغب ابنه في أكله. هذه ليست فرضية من الخيال، بل هي واقع، إذ لم يقر قرارُ عاطفةِ صديقي قبل أن يجلبَ ما ابتغاه ابنه! لم يكن هذا الرجل الوحيد الذي رأيته علا رأسه الشيب يؤمن ما تحتاجه أسرته كلَّ يوم لكي لا ينقص من رفاهيتهم وحاجاتهم الثانوية شيئا. ماذا لو انعكس الدور واشتهى الأبُ أو الأم شيئا ما؟

طوبى لك إن كنت ممن يستشعر رغبةَ والديه في حاجةٍ فَيقضيها! أظنك من القلة والعملةِ النادرة في اليوم وحتى الأمس. فبالرغم من أنّ ثقافةَ العصر الحاضر فيها الكثير من الحديثِ عن مقامِ ومكانة الأُم والأب وفيها يوم للأب ويوم للأم، إِلاّ أن علاقةَ الأبناء بالآباءِ والأمهات يعتريها الضعفُ خصوصا في السنينِ المتقدمة من أعمارِ الوالدين. فهل تستغرب إن قلت لك أن أولادا وبناتا في عصرِ العلم والمعرفة يجفونَ آبائهم وأمهاتهم قولاً وفعلاً؟!

عاطفة الوالدين تشبه الضغط والحرارة في السيلان من الأعلى للأسفل، ربما نصفها بأنها قوة لا إرادية تدفع ودون شعور بحالة نفسية إيجابية للقيام بما يطلبه الأبناء دون ممانعة. ولهذا يكون السؤال التالي طبيعيا: كم من الأبناء والبنات يستشعر رغبةَ والديه في تحقق طلبةٍ ما ولا يرتاح حتى يحققها لهما غير مدفوعٍ بالعاطفة إنما مدفوعاً بالبر ورد الجميل؟

في غياب الإحصاء العلمي الدقيق يمكننا أن نجادلَ في الرفضِ والقبول وأن لا أحد يكلف أبنائه ما لا يطيقون! لكن يَتجاذبي الظن أن القليلَ من الأبناءٍ والبنات يمكن أن تدفعهم قوة وإرادة البر لينهضوا من النومِ ويخَاطروا براحتهم وربما بصحتهم واحتمال المسائلة القانونية إرضاءً لشهوة والديهم. فهل تصدق أنه وفي ضيقِ الجائحة هناك أبناء وبنات يبخلون بالسلامِ والاطمئنان على والديهم والحديث معهم؟!

إن كنت شابا الآن فتذكر عندما يصبح أحدُ والدايك مسنا أو كلاهما أنهما لم يقصرا في مداراتك والعناية بك، لذا فلا تقصَّر أنت في مداراتهم ومحبتهم. إن كنت تبادر لقضاء حاجاتهم فأنت تؤدي ديناً عليك لشخصين بذلا كل ما أمكنهمَا على المستويين المادي والمعنوي لرعايتك وتربيتك، وتحمّلا في سبيل ذلك أشد المتاعب والصعاب والإرهاق النفسي والجسدي ولن تستوفي إلا جزءً صغيراً من ذلك الجهد والعطاء.

وإن كنت مثلي، ذهب والداك، فليس‌ من‌ الوفاء‌ لهما أن ننقطع عن ذكرهما وإيصال ما يَنفعهما من عملٍ صالح، حتى وإن كان براً بصديق‌ لأحدهما. فإن البار لا يكتب له بره حتى يدوم ذلك منه في حالي الحياة والموت. وقد يكتب العاقُ باراً إذا‌ ندم ووصل والديه بعد موتهما بما يكون براً بهما وإحساناً لهما.

مستشار أعلى هندسة بترول