ميسي أم البقال في الأزمة؟
أليس غريباً أن ندرك بين ليلةٍ وضحاها أن كثيرا من الحياة لم يكن سوى رفاهية وهوامش؟
فلأول مرة منذ عشرات السنين لا نعير اهتماما لمشاهير وأساطير الألعاب والمسابقات الرياضية والغنائية والمسرحية أو غيرها من الفنون. لا مسرح ولا دور عرض، ولا ملاعب رياضة، كلها فارغة! ولأول مرة يكون البقال أعلى قيمة وأهمية من أشهر لاعب كرة قدم ”ليونيل ميسي“.
في العقود الأخيرة من الزمن أصبح المهرجون ولاعبو الكرة وساسة الخيل وغيرهم من ممارسي مهن التسلية وإدخال السرور على الأنفس يكسبون عشرات المرات، بل أكثر بكثير من أصحاب المهن الحقيقية من المهندسين والأطباء والحرفيين والكسبة. فجأةً توقفت هذه المهن الهامشية وأصبحت في عدادِ جرحى الجائحة!
بالطبع، حالما تنتهي الأزمة سوف تعود تلك المهن الهامشية تتسيد الموقف وسيعود أصحابها ومُدراؤها يجنون الملايين وسيعود الإنسان العادي المكافح يكسب رزقه ويكفيه فخرا ان يقدم خدمة حقيقية لا يمكن للغني والفقير أن يعيش دونها.
الطبيب والمدرس والعامل والسائق والبائع وغيرهم من أصحاب المهن لم تتوقف أيديهم عن العمل، إذ لو توقفت أيديهم عن العمل لتوقفت عجلة الحياة عن الدوران مع أن أجر احدهم طول حياته لا يساوي أجر ركلةٍ واحدة من لاعب أو أجر حلقةٍ واحدة من مسلسلٍ فكاهي تدر على من يمثل فيها ملايين الدولارات وربما أكثر بكثير! ففي كل موسم تتسابق النوادي وملاكها لدفع مبالغَ طائلة من أجل ضَم لاعبٍ لصفوفها، لأنه من المحتمل أن يساعدَ الفريق بالفوز في المسابقات ولو لمرة واحدة! وتتسارع شركات الإنتاج لعرض أفضل ما في جعبتها من البرامج الترفيهية.
كشفت هذه الجائحة عن قيمة المهن الحقيقية في حياة الإنسان مع تضاءل مرتبها وعوائدها. فليس إلا ذلك الطبيب الذي ينادي به الناس في كل مكان والباحث الذي يقضي الساعات في المختبر يحث الخطى نحو استكشاف الدواء لما يستجد من أمراض وعمال الحقل الطبي بأوسع امتداداته، وكل عامل جاد تعتمد عليه حياة البشر واضعاً حياته وصحته في الخطر المحتمل!
وأظهرت قيمة الإنسان البسيط الذي يكسب أجره كل يوم فلابد له من النهوض والعمل، لا يستغني الناس عنه مهما علا شأنهم. فمن يستغني عن الزارع والبائع والعامل الحرفي؟ لا أحد يسأل عن نتائج الدوريات الشرقية أو الغربية بل الكل يسأل عن أرقام المتعافين وعن ساعات دوام المحال الصغيرة التي تبيع أساسيات الحياة، فمن هو أهم؟
