آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:33 ص

تهيئة النفس للشهر الكريم

عبد الرزاق الكوي

قال تعالى: ﴿يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ.

ننتظر بكل شوق في هذه الأيام قدوم شهر الرحمة والطهور شهر الإسلام الشهر الكريم شهر المغفرة والخير تعمه الأنوار الإلهية والأجواء الروحانية تنهمر عطايا الله سبحانه وتعالى على العبد لا يوجد شهر يماثله في خصائصه ومكانته يكفي أن الله سبحانه وتعالى قرنه بإسمه، فهو شهر الله، شهر يقف فيه الإنسان مع ربه وفي ضيافته يعيش ساعات إيمانية متدربا ومتأملا تتضاعف فيه درجاته وتكثر حسناته وتمحى سيئاته.

لقد جعل الله لهذا الشهر مكانته الخاصة بين الشهور فكان ذا مكانة وشرفا وقدسية، شهر ينبغي استغلال أوقاته بكل إخلاص وجد للمراجعة والتفكير ومحاسبة النفس والإبتعاد عن الشهوات المادية المبتلى بها جل او بعض أيام السنة، يرتفع في هذه الأيام الإنسان من الركون لجاذبية وملذات الدنيا وزخرفها من أجل إعادة صياغة ذاته وإصلاحها من العادات السيئة والخاطئة، وإصلاح عيوبه ونواقصه ويراجع أفكاره بموضوعية.

يرى نقاط الضعف فيعالجها ونقاط القوة ويطورها، أن يكون كل ذلك بإرادة وقوة ورغبة صادقة وعزيمة ثابته، أن تبدأ مع بداية هذا الشهر إذا فاتك الإستعداد من قبل، ان تعالج العيوب والتقصير والعمل بما لم يكن يرضي الله التي اثقلت النفس فتطردها وتنظف النفس من جميع عوالقها، أن يعيش الإيمان الصادق بأسمى معانيه يتخلص من الصفات السيئة وسوء الخلق، والتعامل السلبي مع المجتمع، لتشمله بركات هذا الشهر، ويخرج طاهر القلب نظيف السريرة، لما تفرضه هذه الأوقات على وجدان الإنسان من قدسية وعلى مشاعره من نور وهداية، يرتفع معها صعودا إلى أعلى المراتب بالعلاقة القوية بينه وبين خالقه.

ورد أن لله في كل ليلة من ليالي شهر رمضان عتقاء من النار، وأن الله أفاض على الناس رحمته في هذا الشهر المبارك، ولذلك لابد أن يكون العمل في جل أوقات هذا الشهر المبارك متميزا وهادفا عن باقي أيام السنة، أن لا تفوت فضيلة من فضائله فأيامه تمر سريعا وتذهب وتبقى الحسرة على ما فات، فالأئمة وأهل البيت يرون فيه محطة كبرى في الطريق إلى الله تعالى، ومنزلا ذو شأن لابد من التزود من بركاته، وأن يكون الإنسان من العتقاء في هذا الشهر.

وقد فصّل النبي ﷺ في خطبته معالم هذه الرحمة فقال: ”أيها الناس إنّه أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة شهر هو عند الله أفضل الشهور وأيامه أفضل الأيام ولياليه أفضل الليالي وساعاته أفضل الساعات وشهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله وجعلتم فيه من أهل كرامة الله أنفاسكم فيه تسبيح ونومكم فيه عباده وعملكم فيه مقبول ودعاؤكم فيه مستجاب“.

كل تلك العطايا التي ننتظرها من هذا الشهر لن تأتي بدون مقابل وعمل مخلص وقلب مفعم بالإيمان، فالمسلم في هذا الشهر يدخل امتحان تحت رعاية الله سبحانه وتعالى، في هذا الإمتحان يعطى فيه الدرجة الذي يستحقها وحسب ما قدم في هذا الشهر من عبادة وقرب، وما أنجز والظفر بالقبول ونيل الجائزة، أن يتعرف المؤمن على نقاط الضعف لديه ويصلحها وتعتبر فرص يمكن الظروف الصحية وغيرها لا تسمح في السنوات القادمة على التصحيح بما يصيب قلب الإنسان من عوالق وصحته من وهن.

الجنة مفتوحة للراغبين الصادقين، من وضعوا لأنفسهم برنامجا عمليا عباديا مسبقا قبل دخول هذا الشهر المبارك أو منذ بداية دخول الشهر عارفين عظمة ومنزلته ومكانته وما يحتويه من فرص الخير مبتغين فيه الفوز، فالأنفاس فيه تسبيح والنوم عبادة، والدعاء فيه مستجاب لطفا وتكرما من الله تعالى.

إن الإستعداد في أيام شهر رمضان المبارك أن يبذل الجهد وهو يستحق هذا الجهد والعزيمة والإصرار على أن يحظى المؤمن العابد بشرف القبول، أن يكون الإستعداد من داخل النفس، أن يوطن الإنسان نفسه مسبقا إنه في امتحان رباني يكون فيه هذا الشهر إصلاح حقيقيا لمجمل شؤون الحياة أن تكون الأفعال مرضاة لله سبحانه وتعالى، تطهر فيه جميع الجوارح من كل ما تعلقت به طوال سنة كاملة من تقصير في العبادات وفي علاقاتنا الإجتماعية مع المقربين وغير المقربين فهذه فرصة يمكن أن لا تتكرر يجب الإستفادة منها قبل فوات الأوان.

وإن المحروم من نعم وخيرات هذا الشهر قد تكون سببا في عدم فلاحه وعليه أن يدخل شهر رمضان بأمل وبرغبة صادقة وقلب مفتوح، فليكن التسابق في القرب من الله سبحانه وتعالى وليس التسابق على أماكن الاستهلاك والمواد الغذائية والمشروبات وترك الأهم.

دعاء دعا به الإمام السجاد قائلاً: «اللَّهُمَّ صَلَّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَأَلْهِمْنَا مَعْرِفَةَ فَضْلِهِ، وَإِجْلالَ حُرْمَتِهِ، وَالتَّحَفّظَ مِمّا حَظَرْتَ فِيهِ، وَأَعِنّا عَلَى صِيَامِهِ بِكَفّ الجَوَارِحِ عَنْ مَعَاصِيكَ، وَاسْتِعْمَالِهَا فِيهِ بِمَا يُرْضِيكَ».

فهذا الشهر وسيلة سهلها الله تعالى للعباد من أجل أن يتقدم للأفضل أن يعلو عن الزخارف وان يجعل نفسه في مصاف من اختاروا لنفسهم الشموخ والدرجات العليا ويبدأ عام حياة جديدة مفعمة بالأمل وهو أكثر قربا ورضا من خالقه ومتمسكا بخطى أئمته وبما جاؤوا به من التعاليم الأخلاقية والقيم الإنسانية، فالكل مقصر اذا عرضت أعمال العباد على الله سبحانه وتعالى.

فكم يحتاج كل فرد على حسب تقصيره لهذه الأيام المباركة إصلاح وغسل مما علق به من أدران وسيئات وتقصير نحو خالقه ومجتمعه ليس فقط أن تمحى السيئات بل تتحول إلى حسنات.