آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 1:31 ص

المتاجرة الرابحة

فؤاد الحمود *

جميعنا يأمل أن يدخل إلى عوالم الأسواق التي يجنى من ورائها الدخل الإضافي أو تحسين الوضع، وذلك من أجل الاستغناء والحصول على المكانة الاجتماعية والاقتصادية المرموقة، فالتاجر والشخص ذو الوجاهة الاجتماعية لهم مكانة في النفوس، كما أن الكثير يحاول قراءة تجارب الآخرين؛ لينحو نحوهم، ويحاكي تجاربهم.

وكل من يرغب أن يدخل معترك سوق التجارة سواء الالكترونية أو الأسهم تجده يقرأ الكثير عن الأسواق والأسهم التي يرغب في شرائها؛ بغية الاطمئنان بجودة الشركة التي سيشتري منها وأنَّ لها أصولاً وليس سعر السهم بسبب المضاربة، حتى إذا ما حصلت انتكاسة في السوق فإنه يحافظ على رأس المال أو جزء منه، وكثيرا ما يلجأ الناس إلى خبراء التسويق، وقد يبذلون لهم المال مقابل التوصيات التي يحصلون عليها رغبة في عدم المخاطرة.

فهل هناك مسوقٌ للقيم والمثل العالية أتفق عليه الجميع حتى عده مخالفوه رغم حربهم له والوقوف ضده إلا أنهم لم يُخرجوه من كونه ”الصادق الأمين“؛ ذاك هو نبينا الكريم ﷺ وسىلم، وبرغم كفرهم بدينه وحربهم له لم يستطيعوا نفي اهم مبدأين عرفاه بهما: الصدق والأمانة.

وللعلم إن ذلك السلوك الذي تحلّى به رسولنا الكريم ﷺ ”الصدق والأمانة“ هما أس المبادئ والأخلاق، فكل سلوكٍ حميدٍ لو رددناه سنجده تحت مظلتي هذين المفهومين؛ ومن أراد أن يصل إلى هرم الأخلاق فعليه أن يتحلى بهما.

فأين نحن يا ترى من دستور التجارة الرابحة بحق؟! أوليس قد أخبرنا الأمين على الدين والدنيا أننا مقبلون على موسم عظيم هو شهر الله.

آلا يستحق الشهر العظيم أن نبذل جهداً لقراءة المنهج التعريفي «الكتلوج» به، وهل هناك أبلغ ممن نطق بالضاد الرسول الأعظم ﷺ في توصيف الشهر بخطبته التي جاءت في آخر جمعة من شعبان، أولا يستحق منا الوقوف مع هذه الخطبة العظيمة لنتعرف من خلالها على عظمة التجارة الرابحة؟

فلقد جعل لنا منها الرسول خطة عملية واضحة المعالم قبل الدخول في الشهر الكريم وكيف نتعامل مع أيامه وأوقاته الثمينة.

ولأن أهل البيت كلّهم في الفضل سواء سنستشرف تمهيداً للوصول إلى الشهر العظيم ما ورد عن الإمام الرضا إلى عبدالسلام الهروي حيث يقول: دخلت على أبي الحسن علي بن موسى الرضا في آخر جمعة فقال لي:

«يَا أَبَا الصَّلْتِ إِنَّ شَعْبَانَ قَدْ مَضَى أَكْثَرُهُ وَهَذَا آخِرُ جُمُعَةٍ مِنْهُ فَتَدَارَكْ فِيمَا بَقِيَ مِنْهُ تَقْصِيرَكَ فِيمَا مَضَى مِنْهُ وَعَلَيْكَ بِالْإِقْبَالِ عَلَى مَا يَعْنِيكَ وَتَرْكِ مَا لَا يَعْنِيكَ وَأَكْثِرْ مِنَ الدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَتُبْ إِلَى اللَّهِ مِنْ ذُنُوبِكَ لِيُقْبِلَ شَهْرُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَأَنْتَ مُخْلِصٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلّ وَلَا تَدَعَنَّ أَمَانَةً فِي عُنُقِكَ إِلَّا أَدَّيْتَهَا وَلَا فِي قَلْبِكَ حِقْداً عَلَى مُؤْمِنٍ إِلَّا نَزَعْتَهُ وَلَا ذَنْباً أَنْتَ مُرْتَكِبُهُ إِلَّا أَقْلَعْتَ عَنْهُ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ فِي سَرَائِرِكَ وَعَلَانِيَتِكَ ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدْراً وَأَكْثِرْ مِنْ أَنْ تَقُولَ فِيمَا بَقِيَ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ ”اللَّهُمَّ إِنْ لَمْ تَكُنْ غَفَرْتَ لَنَا فِيمَا مَضَى مِنْ شَعْبَانَ فَاغْفِرْ لَنَا فِيمَا بَقِيَ مِنْهُ“ فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يُعْتِقُ فِي هَذَا الشَّهْرِ رِقَاباً مِنَ النَّارِ لِحُرْمَةِ شَهْرِ رَمَضَان».

بعد هذا الاستشراف والاستغراق مع الإمام الرضا فلنحلق مع رسولنا ﷺ ذلك المرشد العظيم والخبير الكبير في التجارة مع الله حتى أدرك ذلك العشق فبذل الكثير ليخاطبه الجليل: ”طه ۝ مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى“ رحمة ورأفة بعبده الكريم فإذا به يجيب ربه أولا أكون عبداً شكورا.

وهنا دعوة للمؤمنين قبل بدء الشهر المبارك أن يراجعوا الدستور من خطبته ﷺ المباركة في آخر جمعة ولنستلهم منها العظات ونأخذ منها الخطة والبرنامج الزمني المتصل بالسماء، والعمل بما جاء في فقراتها ونلزم أنفسنا في هذه الفرصة التي هي مثالية بمعنى الكلمة.

فالعوامل الخارجية بسبب الحظر والحجر المنزلي الذي أدى إلى قلة الملهيات من الأسواق واللقاءات الغير مجدية لهي فرصة يحب علينا كمؤمنين أن نستثمرها ونسعى بالتشبه بما كان يقوم به الآل الكرام من الاستغفار وطول السجود وتلاوة القرآن والتحنن على الأيتام وتفطير الصيام متوكلين على العلام.

ولنتذكر أنها دعوة من ملك الملوك ”شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله“ أليس من العجب العجاب أن نغفل عن تلك الدعوة ونقابلها بالتقصير، فذو العقل الحصيف حريص على تلبية الكريم فما بالك بأكرم الكرماء وواهب العطاء.

ثم أوليس حرياً بالعبد الفقير الذي شرّفه الله بخطابه ودعوته لمأدبة غفرانه أن يلبي تلك الدعوة.