آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 5:41 م

يوم القرش

عاش الناسُ في سالفِ الأزمان حالاتٍ من الجوع والفقر سجلها التاريخ، فكان للقرشِ وشق التمر معنى يعرفه الفقيرُ والغنيُّ على حدٍّ سواء، حتى اختص آخر يومٍ من شعبان في موروثنا الشعبي باسم يوم ”القرش“.

كان القرش في سالفِ الزمان يساوي شيئا عند من تطاله يده، وكان أدنى ما يستطيع المحسن أن يعطيه لأخيه شفقةً ورحمة في آخرِ يومٍ من شهر شعبان لعله يُشفع بقرشٍ آخر من محسنٍ آخر فيحصل الفقير على ما يقيم أوده ويسد رمقه، فما غير الماءِ والتمر يحصل عليه أغلب الصائمين في الماضي!

تضم موائدُ المسلمين اليوم في مجتمعاتنا كثيرا من أصنافِ الطعام بعد أن كانت في زمنِ الرسول محمد ﷺ فقيرةً مدقعة لحد أن شق التمرة يتقى به الصائمُ النار، واستمرت في زمنِ آبائنا هزيلةً أيضا. تذكر كتبُ الحديث أن رسولَ الله ﷺ   قال لأصحابه:

”من فطر في هذا الشهر مؤمنا صائما كان له بذلك عند الله عز وجل عتق رقبة ومغفرة لما مضى من ذنوبه فقيل له يا رسول الله ليس كلنا نقدر على أن يفطر صائما فقال إن الله تبارك وتعالى كريم، يعطى هذا الثواب منكم من لم يقدر إلا على مذقة من لبن يفطر بها صائما أو شربة من ماء عذب أو تميرات لا يقدر على أكثر من ذلك“.

يمر يومُ القرش في هذه السنة، 1441 هجرية، والعالم بأسرهِ في ضوائقَ وسوء حال، ولم يعد إنسان اليوم يفطر على شق تمرة وكوبٍ من لبن وقطرة ماء، إذ كان ذاك في زمانٍ مضى وهذا زمان غيره! فليس إذن إلا أن ينظر الناس لبعضهم ويتراحمونَ فيما بينهم. ثم تأتي السنةُ القادمة وفيها إذا شاءَ الله يُغاث الناسُ ويعصرون.

سنةٌ بكل تأكيد أعطتنا دروسا في تقلباتِ الزمان وأثبتت أن لا حصانةَ من أن تعودَ دوراتُ الاقتصاد وتتلون الحياةُ بالفقر والغنى والمرض والعافية، لا يقي الناس منها إلا من خلقهم وما كسبت أيديهم، ولا ضمان ألا يعود يوم القرش بالفعل وليس من ذكريات الماضي ويعود شق التمر منبعثا من بطونِ الكتب حقيقةً شاخصة أمامَ الناس لا رواية يرويها المحدثون!

في هذا اليوم وما بعده من الأيامِ والسنين ولكل من حضرهُ شهر رمضان خالص الدعاء بحياةٍ ليس فيها خريف وصحة لا يخالطها مرض، وسعة رزق لا يشوبه فقر. وأن يبقى يوم القرش يوماً ساكنا في ذاكرتنا الطيبة، نفرح فيه ونعطي ونستبشر فيه بقدوم شهر رمضان المبارك.

مستشار أعلى هندسة بترول