آخر تحديث: 23 / 4 / 2024م - 9:39 م

شهر القران الكريم

عبد الرزاق الكوي

قال رسول الله ﷺ: ﴿عليك بقراءة القرآن فإن قراءته كفارة للذنوب، وستر في النار، وأمان من العذاب.

وقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ : ﴿لا تَقُولُوا رَمَضَانَ، وَ لَكِنْ قُولُوا شَهْرُ رَمَضَانَ، فَإِنَّكُمْ لا تَدْرُونَ مَا رَمَضَانُ.

نعيش هذا الشهر المبارك محرومين من المجالس القرآنية ومجالس الدعاء والقراءة بسبب وباء كورونا، هذا الشهر المبارك تجلت عظمته في صيامه والتقاء الناس في المجالس المباركة والإجتماعات الإيمانية والجلسات الروحية في شهر الله تعالى وشهر كتابه الكريم مما يزيد من عظمة وقدسية هذا الشهر، وشهر الصيام وهو سيد الشهور وأفضلها، وهو شهر الصبر والمواساة، ونزول القرآن وربيعه، وهو شهر نزول سائر الكتب السماوية تتطهر الأنفس وتزدان الأسماع بالتلاوة المباركة والفائدة بالتدبر، فالكثير من الناس تشغله الدنيا ويبتعد طوال عامه عن تلاوة القران الكريم، والبعض تنحصر تلاوة بعض الآيات في مجالس العزاء، فلايوجد برنامج معين لكتاب أرسله الله تعالى لعباده المسلمين ليكون صلة بين العبد وخالقه، فلايوجد برنامج يومي أو اسبوعي أو شهري على نطاق فردي أو أسري أو جماعي، فأهم وسيلة تربط المسلم بخالقه شبه مهجور، فهذا الشهر المبارك مع وضع الحجر الصحي فرصة لأن يعيد المؤمن علاقته بكتاب الله تلاوة وتدبر وحفظ.. يجب ألا تذهب هذه الأوقات المهمة من عمر الفرد هدرا وتذهب معها بركات وطهارة القلوب وتبقى الحسرة التي ليس بعدها حسرة، فليعقد العزم وتبرز الرغبة ألا تمر أيام هذا الشهر المبارك حتى يجني العبد ثمرة هذه الأوقات الربانية مع الإرتباط بكتاب الله تعالى، تطهر الأنفس وتكتسب القلوب روحانية وتنقى مما علق بها من سلبيات وظلمات وبعد عن هذا النبع الطاهر، فتلاوة القران الكريم في جميع الأوقات من العام له روحانية وتكون روحانيته أعظم في الأجواء الإيمانية في هذا الشهر الفضيل، أن تكون الرغبة والعلاقة ليس مجرد لقلقة لسان وتلاوة عابرة، بل البحث عن الكيف وليس الكم، أن نرتقي بهذه التلاوة إلى مقامات إيمانية أرفع تنعكس على مجمل الحياة والتعامل مع النفس ومع الآخرين.

يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فيما روي عنه: ﴿وتعلّموا القرآن فإنه أحسن الحديث، وتفقّهوا فيه فإنه ربيع القلوب، واستشفعوا بنوره فإنه شفاء لما في الصدور، فكما دلت الأحاديث وأقوال الائمة في تلاوة القران في جميع أيام العام وخصوصا شهر رمضان المبارك، فقد تم الحث والسعي على حفظ القران الكريم وليس من الصعب أن تنير القلوب بحفظ ولو جزء من أجزاءه المباركة تكون لنا ورد وحفظ في مدلهمات الحياة، أن تجدد العلاقة مع الله سبحانه وتعالى بالقراءة الصحيحة والتدبر الهادف والتبرك بحفظ ما أمكن..

فعن عليّ أمير المؤمنين في كلامٍ يصف فيه القرآن في نهج البلاغة: ﴿واعلموا أنَّ هذا القرآن هو النّاصح الّذي لا يغشّ، والهادي الّذي لا يُضلّ، والمحدِّث الّذي لا يكذب، وما جالس هذا القرآن أحدٌ إلا قام عنه بزيادة أو نقصان: زيادة في هدى، أو نقصان من عمى.

واعلموا أنّه ليس على أحدٍ بعد القرآن من فاقة، ولا لأحدٍ قبل القرآن من غنى، فاستشفوه من أدوائكم، واستعينوا به على لأوائِكم، فإنَّ فيه شفاءً من أكبر الدّاء، وهو الكفر والنفاق والغيّ والضّلال. فاسألوا الله به، وتوجّهوا إليه بحبّه، ولا تسألوا به خلْقه، إنّه ما توجّه العباد إلى الله بمثله. واعلموا أنَّه شافع مشفِّع وقائل مصدِّق، وأنّه من شفع له القرآن يوم القيامة شُفِّع فيه، ومن مَحَلَ به القرآن يوم القيامة صُدِّق عليه، فإنّه ينادي منادٍ يوم القيامة: ألا إنَّ كلّ حارث مبتلى في حرثه وعاقبة عمله، غير حرثة القرآن. فكونوا من حرثته وأتباعه، واستدلّوه على ربّكم، واستنصحوه على أنفسكم، واتّهموا عليه آرائكم، واستغشوا فيه أهواءكم.

فشهر رمضان المبارك رحمة من الله سبحانه وتعالى ورزق تتفتح فيه أبواب السماء.

قال تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ

قال رسول الله ﷺ: ﴿نوّروا بيوتكم بتلاوة القرآن، ولا تتخذوها قبوراً، كما فعل اليهود صَلّوا في البيع والكنائس وعطّلوا بيوتهم، فإنّ البيت إذا كثر فيه تلاوة القرآن كثر خيره، ومُتِعَ أهله، وأضاء لأهل السماء كما تضيء نجوم السماء لأهل الدنيا.

فالدعوة مفتوحة ليستفيد الجميع من نفحات هذه الأيام حتى تنعكس هذه الإستفادة على التعاملات الحياتية وتصرفات وسلوكيات يعيشها الفرد في مجتمعه ومع من حوله، فصلاح النفس من أفضل مكتسبات تلاوة القران والتدبر في آياته، حتى يصل المؤمن إلى منصة الأمان ويكون القرآن الكريم شفيعًا لمن ارتبط في هذه الأيام ببرنامج تلاوة وتدبر وحفظ.

ويلفت السيد أبو القاسم الخوئي «قد» إلى أهمية قراءة القرآن في البيوت وفضلها ونتائجها على النفوس، بحيث تنشر القراءة كلّ بركة وخير ترتفع بقيمة الإنسان. يقول سماحته: "إنّ الإنسان عند النظر إلى ما يروقه من المرئيات تبتهج نفسه، ويجد انتعاشاً في بصره وبصيرته. وكذلك قارئ القرآن، إذا سرح بصره في ألفاظه، وأطلق فكره في معانيه، وتعمّق في معارفه الرّاقية وتعاليمه الثّمينة، يجد في نفسه لذّة الوقوف عليها، ومتعة الطّموح إليها، ويشاهد هشّة من روحه وتطلعاً من قلبه».

ومن آثار القراءة في البيوت، ما ورد في الأحاديث: ”إنّ البيت الذى يقرأ فيه القرآن ويذكر الله تعالى فيه، تكثر بركته، وتحضره الملائكة، وتهجره الشّياطين، ويضيء لأهل السماء كما يضيء الكوكب الدّريّ لأهل الأرض، وإنّ البيت الذي لا يقرأ فيه القرآن، ولا يذكر الله تعالى فيه، تقلّ بركته، وتهجره الملائكة، وتحضره الشياطين“.

فليكن المؤمن في هذا الشهر من الفائزين ممن خاطبهم الرحمن فاستجابوا، أن يكن المؤمن في هذا الشهر من أهل القران الكريم، لا تكون العلاقة مع القران الكريم فقط في المأتم والقبور والأحزان، فقد خلق ليبعث الحياة الكريمة وينير القلوب الصدأه، أن تكن الأخلاق من القران الكريم وعلاقاتنا مستمده منه، لا أن يوضع على الرفوف كزينة يشتكي عند الله تعالى هجرانه، فخير التكامل المثمر والصفات الجليلة والأخلاق الحميدة للإنسان تأتي من العلاقة مع كتاب الله تعالى القرآن الكريم، فهذه دعوة مخلصة للآباء ان يهتموا بجيل الشباب ان يرتبطوا بالقرآن الكريم وتعليمه لينشئ جيل صالح ينفع نفسه ومجتمعه، فالجميع يشاهد في هذا العصر الوسائل والألعاب الإلكترونية تسرق جل وقت الأطفال والشباب ويحتاج هذا الجيل أن ينمى ويرغب له في هذا الشهر الكريم أن يرتبط بالقرآن الكريم على مرأى من والدية أو أماكن متخصصة بالتلاوة.

فقد كان تفاعل أهل البيت تفاعلا كبيرا فكانت حياتهم وواقعهم المعاش تطبيق لتعاليم القرآن الكريم، ارتسمت به شخصيتهم فبرزت قاماتهم عالية نورا مفسرا للقرآن الكريم في تعاملهم وارتبط اسمهم بالقرآن الكريم.

وعن أبي عبدالله قال: ﴿ثلاثة يشكون إلى الله عزَّ وجلّ، مسجد خراب لا يصلّي فيه أهله، وعالم بين جهّال، ومصحف معلَّق قد وقع عليه الغبار لا يقرأ فيه

القرآن مصدر عزّة المسلمين، والقلب النابض بالحياة على الدوام، وهو يهتمّ بمتطلّبات الإنسان، وهو نظام متكامل للحياة الاجتماعيّة. وبإمكانه أن يكون أفضل وصفة لسعادة الإنسانيّة.