آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

مسافرونَ دون رواحل!

نتبادل الآراءَ والأفكارَ بيننا وبين الشياطين عشرات المرات في اليوم إن لم يكن أكثر! هذه المطارحات والمحادثات تشمل الوجودَ والعقائد والجرائمَ والغش والخداع وكلَّ الطاعات، والجرائر التي يضحك منا الشيطان حين نقاربها. إن كنت تعرف إنساناً لا تخالطه هذه اللوثة فدلني عليه، إنه أفضل من الملائكة أو أن هذا الإنسان كائنٌ ميت دون نفس، إذ في تعاليمِ المسيح : ”من منكم بلا خطيئة فليرمها بأول حجر“، وفي تعاليمِ النبي محمد ﷺ: ”كل بني آدم خطَّاء وخير الخطائينَ التوابون“. 

هذه المحادثات هي العَقار والدواء الذي يبحث عنه البشر والحقنة التي إن نجحت وسرى مفعولها الإيجابي في أجسادهم فسوف تزرع فيها الأجسامَ المضادة للخطايا وتنقلهم إلى ضفةِ التوبة والصفاء. فقد تكون الذنوب المدخل الطبيعي للصحة والعافية عند أغلب الناس بعد تعاطيها وتقربهم من الله ﴿وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون.

أجمل لحظات حياة الإنسان تلك التي يعترف فيها بضعفه وخطأه وأنه وإن مشى في طريقِ الكمال سوف تطلع له الشياطين في كل كوعٍ وزَاوية في طريقه ومساره. وبعد أن ينثني عن المشي في دروب الخطايا تنكشف له حقائقُ المعارف ويحصل على المناعة التامة. فهل لنا أن نعيب في غيرنا حالاتِ الضعف؟

متى ما حدثتك نفسك أن تنتقصَ من عمل لأن من قام به متصل بالشيطان فتأكد أنك في تلك الحالة لست متصلا أنت به. فمن أمتع المحادثات بيننا وبين الشيطان التي تكون في أوقاتِ الرضا عن النفس والشعور بالتمام والكمال. ومن يظن أن فقط الشابَ في الخَمَّارة وبيوت الريبة هو الشخص الخطأ في المكان الخطأ فليعلم أن أحبَّ الأماكن لأحاديث الشياطين هي أماكن الطاعة وأحب الأوقات هي أوقات القرب من الله، ومن رأسه في بياضِ الثلج من الناس أو في سوادِ الفحم سواء!

لا تجزع إن زارتك تلك الأحاديث باكراً في حياتك. هي جاءت لأنك تملك القدرة والممانعة على مصارعتها والملذات لم تزل شهية وغضة، أما إذا كبرت وخفت معظم الرغبات الشيطانية فالطَمع في عقلك وحصيلة السنين لن يقل. لن تتوقف تلك الأحاديث إلا حين يسدل الستار على كل فصول الحياة. 

من أراد أن يُفرح اللهَ فليقطع تلك المحادثات قبل آخر فصلٍ من مسرحية الحياة، حيث جاء عن محمد الباقر : ”إن الله تعالى أشد فرحا بتوبة عبده من رجلٍ أضل راحلته وزاده في ليلةٍ ظلماء فوجدها، فالله أشد فرحا بتوبة عبده من ذلك الرجل براحلته حين وجدها“. ورَواحلنا نحن العُصاة في السفر إلى الله في فصولِ السنة هي ثواني ولحظات أعمارنا، وأرقاها لحظات شهر رمضان.

يُضعف الجوعُ في شهر رمضان أجسادنا، لكنه يقوي مناعةَ الروح ويحثنا على قطعِ الأحاديث الشيطانية. طوبى لنا إن فعلنا، وإن قصرت الآمال ولم نستطع فلن ينقطع حبلُ الأملِ والرجاء ”من لم يُغفر له في شهر رمضان لم يغفر له إلى قابل إلا أن يشهد عرفة“.

رحم الله زمانا كانت فيه تلك الأحاديث والمكالمات خاصة بيننا وبين الشياطين، لا يعلم فحواها إلا الله الذي يسترها. الآن أصبحت موائد يأكل منها ويشرب الغرباءُ بكل سرور!

مستشار أعلى هندسة بترول